aiman ahlamontada.net

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



4 مشترك

    موسم الهجرة إلى الشمال

    Admin
    Admin
    Admin


    ذكر
    عدد الرسائل : 920
    العمر : 50
    المزاج : مبسوط
    المزاج : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Love
    الهوايات : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Sports10
    المدير : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 970
    تاريخ التسجيل : 18/08/2008

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Empty رد: موسم الهجرة إلى الشمال

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء مارس 03, 2009 9:20 pm


    الطيب صالح - سيرة ذاتية مبسطة

    *ولد الطيب محمد صالح أحمد في مركز مروى ، المديرية الشمالية السودان عام 1929.

    *تلقى تعليمه في وادي سيدنا وفي كلية العلوم في الخرطوم.

    * غادر السودان عام 1953 للعمل في القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية.

    * نال شهادة في الشؤون الدولية في إنكلترا ، وشغل منصب ممثل اليونسكو في دول الخليج ومقره قطر في الفترة 1984 - 1989 .
    *متزوج من أسكتلندية وعاش معظم سنوات حياته في إنجلترا

    * صدر حوله مؤلف بعنوان " الطيب صالح عبقري الرواية العربية " لمجموعة من الباحثين في بيروت عام 1976 . تناول لغته وعالمه الروائي بأبعاده وإشكالاته .

    * كان صدور روايته الثانية " موسم الهجرة إلى الشمال " والنجاح الذي حققته سببا مباشرا في التعريف وجعله في متناول القارئ العربي في كل مكان .

    * تمتاز هذه الرواية بتجسيد ثنائية التقاليد الشرقية والغربية واعتماد صورة البطل الإشكالي الملتبس على خلاف صورته الواضحة ، سلبًا أو إيجابًا ، الشائعة في أعمال روائية كثيرة قبله .

    * يمتاز الفن الروائي للطيب صالح بالالتصاق بالأجواء والمشاهد المحلية ورفعها إلى مستوى العالمية من خلال لغة تلامس الواقع خالية من الرتوش والاستعارات ، منجزًا في هذا مساهمة جدية في تطور بناء الرواية العربية ودفعها إلى آفاق جديدة

    أشهر اعماله الأدبية
    عرس الزين رواية ( 1962 )
    * موسم الهجرة إلى الشمال رواية ( 1971 )
    * نخلة على الجدول
    * دومة ود حامد رواية .
    * بندرشاه ( ضو البيت - مريود )

    Admin
    Admin
    Admin


    ذكر
    عدد الرسائل : 920
    العمر : 50
    المزاج : مبسوط
    المزاج : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Love
    الهوايات : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Sports10
    المدير : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 970
    تاريخ التسجيل : 18/08/2008

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Empty رد: موسم الهجرة إلى الشمال

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء مارس 03, 2009 9:22 pm


    الطيب صالح يشرح آثار غياب الترجمات العربية في الغرب....
    من موقع الجزيرة نت

    قال الروائي السوداني الطيب صالح إن نقص ترجمة الأدب العربي عزز من الأحكام المسبقة المتحيزة ضد العرب في الغرب, وإن نشر الأدب العربي بصورة أوسع من شأنه أن يقلل من "الجهل التام" بالمنطقة.
    ولا يحظى الأدب العربي بكثير من الاعتراف العالمي لكن صالح يدافع عنه ضد الانتقادات التي تعتبره محدودا وخاضعا لهيمنة الدين. ويقول إن الرواية العربية لديها الكثير مما يمكن أن تقدمه مثل أدب أميركا اللاتينية الذي قدم كتابا أشاد بهم العالم في العقود الأخيرة.

    ويشير الأديب السوداني إلى أن أبرز الناشرين في الغرب ترجموا وطبعوا روايته الشهيرة "موسم الهجرة إلى الشمال" التي كتبها عام 1966, وينوه في ذات الوقت إلى أن ناشري الأدب باللغة الإنجليزية غير مستعدين لمنح الكتاب العرب فرصة حقيقية.

    وقال صالح (76 عاما) المتزوج من أسكتلندية والذي عاش معظم سنوات حياته في إنجلترا "لو وجد ناشر مقتنع بالأدب العربي وقرر أن يخوض المغامرة وليس مجرد طبع آلاف قليلة من النسخ فسيجد قراء".

    مستوى رفيع
    وأضاف أن الرواية العربية تتمتع بمستوى رفيع جدا تمكن مقارنته بأي مستوى آخر في أي مكان بالعالم مشيرا إلى أن افتقار الأدب العربي للاعتراف الخارجي مسألة تتعلق بالمعايير أو نقص الحماس للأدب الأجنبي.
    وهو ما جعل الروائي المصري الشهير نجيب محفوظ الروائي العربي الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل في الأدب عام 1988.

    وتحكي "موسم الهجرة إلى الشمال" التي نشرت مترجمة في السبعينيات واعتبرت من كلاسيكيات الأدب العربي قصة السوداني مصطفى سعيد الذي يعيش في لندن ويستغل ملامحه الغريبة لإغواء النساء.
    ويقتل مصطفى إحداهن، وهو ما فسره القراء بأنه انتقام من الاستعمار البريطاني للسودان.

    ويقول صالح في هذا الصدد إن الرواية كتبت في الستينيات عندما كانت مسِألة الاستعمار لا تزال حاضرة في أذهان الناس.
    ويمضي قائلا إن سوء التفاهم نفسه ما زال قائما لكن بأشكال مختلفة مشيرا إلى تحول مركز الثقل من أوروبا إلى الولايات المتحدة.

    ويقول صالح الذي غادر السودان عام 1953 للعمل في القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية، إن نقص الأدب العربي المترجم عبر عقود لم يساعد في مزيد من الفهم للعالم العربي والإسلامي في أوساط الغرب.


    الآخر
    ويتابع "أصبح العرب والمسلمون هم الآخر"، أي "هذا الكم غير المعلوم".
    ويشير إلى أن الناس تتبنى مثل هذه الافتراضات والأخطاء المريعة بشأن العرب من باب الجهل الشديد، "لا أريد أن أقول الحقد. لكنه التجاهل".
    ويضيف "عندما تكون هناك أزمة سياسية يقفز الناس إلى الاستنتاجات الخاطئة لأنه ليس ثمة مرجعيات".

    وكان الطيب صالح الذي ما زال يعيش في لندن يزور القاهرة للحصول على جائزة الرواية العربية التي تقدمها الحكومة المصرية.
    وهو ينفي العقم عن الثقافة بالعالم العربي حيث يقول "من موريتانيا إلى عمان ستجد هناك الكثير من المهرجانات الثقافية. لا أعتقد أن ثمة فراغا أو عقما في حقل الثقافة بالعالم العربي".
    ومعلوم في هذا الصدد أن تقرير الأمم المتحدة بشأن التنمية البشرية عام 2002 نوه إلى وجود "نقص حاد" في التأليف بالعالم العربي. وقال التقرير إن جزءا كبيرا من السوق العربية يتشكل من كتب دينية وتعليمية ذات مضمون إبداعي محدود. وانتقد التقرير أيضا نقص ترجمة الكتب الأجنبية إلى اللغة العربية.
    ويظهر عدد الكتب المنشورة في المنطقة أن العرب الذين يزيد عددهم عن 280 مليون يقرؤون القليل للغاية. والكتاب الذي يباع منه ما بين خمسة آلاف وعشرة آلاف نسخة تعتبر مبيعاته قياسية في منطقة تتفشى فيها الأمية.


    قراء نهمون
    إلا أن الطيب صالح قال إن العرب يقرؤون بنهم أكثر مما يقول المنتقدون. وتابع "الناشرون لا يريدون أن يعترفوا بحجم المبيعات الحقيقي. إنهم لا يريدون أن يمنحوا المؤلفين حقوقهم".

    وحول روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" التي ما زالت محظورة في بعض الدول العربية يقول إنها ليست ضد الدين بصورة مباشرة لكن بعض الشخصيات ربما تقول أشياء هي محل اعتراض السلطات الدينية. إنهم يعتقدون أنه إذا ما كان هناك أي كلام سلبي على لسان بعض الشخصيات في الرواية فلابد أنها وجهة نظر الكاتب".
    ويضيف أن "الأمور تتجه نحو مزيد من التحرر. تدريجيا أصبحت الأصوات الدينية غير فعالة في هذه الأمور

    Admin
    Admin
    Admin


    ذكر
    عدد الرسائل : 920
    العمر : 50
    المزاج : مبسوط
    المزاج : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Love
    الهوايات : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Sports10
    المدير : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 970
    تاريخ التسجيل : 18/08/2008

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Empty رد: موسم الهجرة إلى الشمال

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء مارس 03, 2009 9:25 pm


    حوار مع الطيب صالح أجرته عزيزة السبيني - النهـار

    الطيب صالح عاشق للأمة العربية وحضارتها، للمدينة العربية التي يسمع فيها صوت الآذان الذي ألهم العديد من الادباء والمفكرين وخاصة آذان الفجر. يعشق المرأة العربية السمراء التي تهوى الشعر، ويقول انه لا يضيع وقته مع امرأة مهما كانت جميلة إن لم تكن عاشقة لشعر المتنبي تحديدا! وللمكان لدى الطيب صالح خصوصية مميزة، فالايحاء لديه مرتبط وثيقا بالمكان، والفنادق موحية جدا له، ليس لأنها جميلة، كما يقول، بل لأنها تولّد لديه احساسا بالغربة يساعده على الكتابة. من هنا بدت اعماله مثار جدال في الاوساط الادبية والفكرية، من "موسم الهجرة الى الشمال" الى "عرس الزين" الى روايته الاخيرة "بندرشاه"، رغم ان رواية "موسم الهجرة الى الشمال" لا تزال الاشد اثارة لدى العديد من النقاد والباحثين اذ تمثل نموذجا حقيقيا لتصوير العلاقة مع الغرب. وحول هذه العلاقة وتبني المثقف العربي بعض "المصطلحات الدخيلة" على ثقافتنا وحضارتنا دار هذا اللقاء.

    * استطاع بعض المثقفين والكتاب التعبير على نحو ما عن العلاقة مع الغرب بما تتضمنه من اشارات حول الاستشراق والعصر الكولونيالي. كيف تنظر الى العلاقة مع الغرب بعيدا عن "موسم الهجرة الى الشمال"؟
    - اعتقد ان علاقتنا مع ما يسمى الغرب، وعلى وجه التحديد مع بريطانيا وفرنسا واميركا، تعقدت لسببين، اولهما الاستعمار بخيره وشره، وثانيهما الظرف السياسي والاجتماعي، وفي مقدمه قيام الكيان الاسرائيلي في فلسطين. ولعله السبب الاكبر لتأزم العلاقة بيننا وبين الغرب، فمن المعروف تاريخيا، وقبل ان تقوم دولة اسرائيل في المنطقة العربية، كانت علاقتنا طيبة جدا بالثقافة والحضارة الغربيتين، وخاصة مع بلدان البحر الابيض المتوسط. فلا سبب منطقيا يجعلنا في عداء مستمر مع الغرب، وارى اننا لو تمكنا من حل قضية فلسطين، وارجو ان تحل قريبا، ستكون لنا علاقات جيدة مع مناطق متعددة من العالم وتحديدا مع اوروبا التي لا نستطيع تجاهلها وتجاهل التطورات العلمية والحضارية والتكنولوجية التي تسير بها متسارعة.

    * تغلب على الكثير من الاعمال الادبية النظرة التشاؤمية والشكوى العبثية، مما دعا كثيرا الى اعتبار الظاهرة "هلامية" او "افيوناً مخدراً" لا يحل مشكلة ولا هدف له. كيف تنظر الى الانتاج الادبي في الوقت الراهن؟
    - الكتاب والمفكرون الاصيلون يذهبون عادة الى الظواهر والاشياء الواضحة للعيان. يستشرفون المستقبل ويسعون الى تحليل نقاط الضعف في تكوين المجتمعات. هذا التحليل قد يكون قاسيا ومؤلما لدى القراء، لذا يشعرون بالتشاؤم حيال بعض الاعمال. ولكن بحسب ما قرأت من اعمال، وخاصة في الفترة الاخيرة، اعتقد ان فسحة التفاؤل اكبر بكثير من التشاؤم، ولا بد لنا من التفاؤل، وهذا ما تمليه علينا مجتمعاتنا العربية التي قاست طويلا وعانت قرونا من الاستبداد والظلم. ظلم الحكام وقسوة الحياة. لكن الجماهير لم تمت فظلت تعيش وتناضل، وهذا النضال هو ما يقوي الامل في استمرار هذه المجتمعات وازدياد قدرتها على العطاء، وصلابتها في مواجهة مظالم الحياة لتتمكن في نهاية المطاف من المساهمة في الحياة الانسانية عامة.
    * يقولون ان ايديولوجيا بلا سياسة انفع بكثير من سياسة بلا ايديولوجيا، ففي الحالة الاولى قد يموت الواقع، وفي الثانية يموت الواقع والفكر، الى اي مدى استطاع المثقف العربي ان يطابق بين الواقع والفكر؟
    - ارى ان الواقع بالنسبة الى الكاتب لا فكاك منه، وان كنا نرى بعض الكتاب والمفكرين ينظرون في كتاباتهم ويحاولون قدر الامكان الارتقاء بسلوكهم الشخصي الى مستوى المثل التي يبشرون بها. وهذه قضية ليست حديثة في الادب، بل هي قديمة جدا. فبالنسبة الى الشعر يتهم بعض النقاد المتنبي مثلا بأنه لم يطبق في حياته الشخصية المثل التي نادى بها في شعره. هؤلاء النقاد يحكمون على زمن مضى بأدوات هذا الزمان، ومهما وصلوا في بحثهم واستقصائهم، الا انهم لا يدركون الحقيقة تماما.
    * لِمَ المتنبي تحديدا؟
    - اعتبر المتنبي الامام الاكبر للشعر العربي في وجه خاص، وللشعر الانساني في وجه عام. وصل المتنبي في المعاني الى مداها الاقصى، ولم يترك شيئا للآخرين، والمتنبي بالنسبة اليّ صديق حميم ومتعب في آن واحد. بعض الناس يملون صحبته، ولكن لا يلبثون ان يعودوا اليه. وارى انه لو ولد المتنبي للفرنسيين او الانكليز او سواهم لقدسوه الى حد العبادة. صحيح اننا نحتفي به، ولكن ليس كما يجب. واجد ان الشعر العظيم الذي تركه لنا المتنبي يغفر له في نظري اي خطأ ارتكبه في حياته على صعيد استحضار الواقع في ما قدم من كتابة وفكر. اما لو اخذنا الرواية العربية فإني اراها في حالة حسنة من الازدهار. ويبدو ان القارئ العربي اقبل اقبالا كبيرا في الفترة الاخيرة على آلرواية، وقد يكون سبب ذلك ان القارئ يجد اشياء يمكن ان يتجاوب معها من الحياة والواقع. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى، ارى ان الروائيين ابدعوا في اساليبهم، فهناك العاطفية، وهناك كتاب قدموا اعمالا روائية توثيقية كالكاتب صنع الله ابرهيم. ولا ننسى نجيب محفوظ المثل الاعلى في الكتابة الملتزمة. فالواقع موجود على اي حال في كل الانواع الادبية وتبقى مهمة القارئ ببذل الجهد لفك الشيفرة الخاصة لكل كاتب.


    * من خلال الدراسات والابحاث والحياة في شكل عام، خرجنا بصورة ان المثقف والسلطة لا يلتقيان، ولو التقيا فإن السلطة تسعى الى حد ما الى "نسخ" المثقف إن جاز التعبير. كيف استطاع الطيب صالح الاحتفاظ بروح المثقف في الجو السلطوي؟
    - هذا القول فيه الشيء الكثير من الصدق. بالنسبة اليّ، وخلال هذه الفترة الطويلة من العمل، حاولت قدر الامكان الابتعاد عن السلطة، وعملت غالبا مع منظمات خارجية كاليونيسكو، وسابقا في محطة "بي بي سي" التي اصبحت فيها رئيس قسم الدراما. وكان العمل مع الانكليز ممتعا جدا لما يملكون من وسائل بحث ومؤسسات كبيرة. وعملي في هذه المحطة كان له اثر كبير في حياتي لانني تعرفت، وللمرة الاولى، الى العرب خارج السودان، تعرفت الى قضية فلسطين عن كثب، والتقيت كتابا وممثلين انكليزا، لذا اعتبر عملي في هذه المحطة مهما جدا ومحاولة لدخول قلب المجتمع البريطاني والتعرف اليه. اما الحكومات العربية فهي التي تتحكم في السلطة وتسيطر تقريبا على معظم نواحي الحياة. ولا مفرّ للإنسان من التعامل معها، لذا يضطر في كثير من الاحيان الى التنازل ليتلافى شرها، فبعضها قادر على الايذاء. لذلك بقيت احوم بعيدا عن السلطة. وارى ان للسلطة منطقا خاصا بها ومبررات خاصة. يزعمون انهم يصنعون خيرا في الوقت الذي نرى فيه انهم يصنعون شرا.

    من الشخصيات المهمة في تاريخنا العربي وأحلم بكتابة رواية عنه في ذات يوم، عبد الملك بن مروان الذي كان يمثل في شخصه التناقض الضخم بين ممارسة الحكم والمثل العليا، فهو كما تعلمين، وانت الدمشقية، كان فقيها في المدينة، ولما مات مروان بن الحكم في دمشق وجاؤوا اليه يبشرونه بالخلافة كان يقرأ في القرآن، فأغلق المصحف الشريف وقال مقولته المشهورة: "هذا فراق ما بيني وبينك". وكان معروفا عنه انه رجل علم وراو للشعر، وكان لا يفوت فرصة الا يمتحن فيها جلساءه، وذات يوم سألهم "من اسعد الناس؟" فقالوا له: "الامير واصحابه". فأجاب: "ما جئتم بشيء، أسعد الناس، رجل له بيت يأويه، وزوجة صالحة تعنى به، ولقمة طيبة يأكلها، لا يعرفنا ولا نعرفه، فإذا عرفنا افسدنا عليه دنياه وآخرته". هذا الرجل كان يدرك تماما الفيروس الكامن في صاحب السلطان. والمثقف انسان هش والافضل له الابتعاد عن السلطة. في كتابي الاخير "بندر شاه" احاول ان استكشف طبيعة السلطة وعلاقتها بالمدينة

    * بين فترة واخرى يظهر بعض المصطلحات او النظريات التي يتبناها المثقفون، ففي فترة سابقة نشأت الحداثة، ثم ما بعد الحداثة، والآن ثمة حديث يدور حول صراع الحضارات او حوار الحضارات، الخ. هذه المصطلحات هل هي في رأيك انعكاس لحالة معينة او نتيجة تطور فكري؟
    - ارى انه لا ينبغي ان نشغل انفسنا كثيرا بهذه المصطلحات لانها وافدة الينا من الآخر، وهي تمثل له تطورا فلسفيا او فكريا معينا، او انها مجرد "موضة فكرية". في فترة ما شغلنا انفسنا ولسنوات طويلة بموضوع الوجودية والبنيوية، وهذه من المصطلحات والامور التي لا بد لنا من الاطلاع عليها، انما علينا ان نطور مفاهيمنا نحن ومصطلحاتنا نحن وان تكون لنا "موضتنا" ايضا. حكاية صراع الحضارات نشأت من طريق رجل اميركي اراد ان يلفت النظر اليه فقال بمسألة صراع الحضارات (الاسلام ضد المسيحية مثلا!). هذا الموضوع ليس مهما في رأيي والاسلم الا نهتم كثيرا بمثل هذه الطروحات. من مشاكلنا انه ليس عندنا مناخ مفتوح يحصل فيه طرح الأفكار ويثار حولها الحوار والمناقشة، لذا نجد ان الامور الوافدة علينا يكون لها وقع اكبر مما تستحق. الا ترين معي انه الى الآن لم يظهر في العالم العربي ابن خلدون آخر، او ابن رشد آخر، وعندنا ألوف الجامعات! في اختصار، لا يوجد فكر يعتبره الناس فكرا اصيلا، وسبب ذلك في رأيي ان الافكار الاسلامية المتطرفة تجد هوى في اذهان الكثيرين.

    * لا يزال بعض الانظمة السياسية يمنع تداول الكتاب. الا يعتبر هذا غباء من اجهزة الرقابة ونحن في عصر الانترنت والاتصالات؟
    - ضعف التواصل بين حدود العالم العربي امر محيّر جدا او يسيء الى العلاقات العربية في ما بينها، والذي يسافر من ارجاء الوطن العربي يدرك ان البشر متشابهون كثيرا ولا تشابه مماثلا لذلك في الدنيا، ولو تركوا وشأنهم فهم قادرون على مد جسر التواصل في ما بينهم. وحال الكتاب تنطبق على حال الناس. الحكومات الوطنية في المعنى الحديث تغلق الحدود، وتضع الحراس، فأنا الطيب صالح عندما ادخل اي بلد عربي حاملا جوز السودان الذي يثير الريبة في هذه الايام، ليس لخطأ ارتكبته بل لخطأ ارتكبه غيري، فإني اثير الكثير من الشكوك والتساؤلات، ولكنني في الوقت نفسه ادخل سويسرا، مثلا من دون تأشيرة دخول! الكتاب واصل رغم كل هذه العقبات وليس في حاجة الى تأشيرة دخول.

    Admin
    Admin
    Admin


    ذكر
    عدد الرسائل : 920
    العمر : 50
    المزاج : مبسوط
    المزاج : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Love
    الهوايات : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Sports10
    المدير : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 970
    تاريخ التسجيل : 18/08/2008

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Empty رد: موسم الهجرة إلى الشمال

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء مارس 03, 2009 9:37 pm


    مقال للدكتور : منصور خالد * ،، منشور بجريدة الشرق الأوسط في 20يونيو 2002م
    .. [ الزين يغيب عن عُرسِه ] ..
    في الحادي والعشرين من أبريل/ نيسان بعث تورهيلد فايكن والففان ديرهيقين، رسالة للطيب صالح يدعوانه فيها باسم المنتدى النرويجي للكتاب للقاء يعقد في معهد نوبل في السابع من مايو. طوت الرسالة القارة لتستقر حيث تستقر الرسائل التي يحملها بريد الطيب، لا يلتفت لها إلا لماما. ففي تلك الرسائل فواتير الكهرباء والماء والغاز، ومطالبات لندن كاونسل، وإعلانات الناشرين; كما فيها اطراءات المعجبين والمعجبات، وما يُبرده الأصدقاء والحادبون. كثيرا ما يترك الطيب أمر هذه الرسائل لأم زينب، في حين يغرق في صومعته مع صحب وشجت عُرى مودته معهم مثل الجاحظ، وأبي الطيب، وأبي تمام; وصدق أو لا تصدق، ذي الرمة والراعي النميري. لأمثال الطيب عوالمهم الخاصة، لا يهربون اليها فرقا من الحاضر أو استهانة به، وانما لأنهم يدركون في قرارة انفسهم بأنهم أتوا هذا الزمان بآخره، فلم يسرهم كما سر من أتوه على شبيبته. العود إلى أولئك حُبّب إلى نفسه، دون ان يلهيه عما يدور حوله في عالم الفكر والأدب.
    أيا كان الحال، أغفل الطيب رسالة النرويجيين كما أغفل رسائل أخريات. على أن تلك الرسالة كانت دعوة لعرس هو صاحبه; تكريم المنتدى لفريدته «موسم الهجرة إلى الشمال»، بين مائة أثر أدبي كان لها، فيما قالت الدعوة، أثر على التاريخ الثقافي للعالم، كما تركت أثرا مميزا في خيال كاتبيها وتفكيرهم. المائة أثر أدبي انتقاها مائة أديب وشاعر من بينهم أربعة من النوبليين هم وولي سونيكا، (نيجيريا)، نادين قولدمر، (جنوب افريقيا)، ف. س. نايبول، (ترينداد)، شيموس هيني، (ايرلندا). وكان المحكمون المائة، في مجموعهم، يمثلون ثقافات العالم المتنوعة، وبينهم رجال ونساء من العرب والمسلمين لا ينكر اسهامهم في الحقل الأدبي إلا جاهل أو مغلاط: آسيا جبار (الجزائر)، أمين معلوف وحنان الشيخ (لبنان)، نور الدين فرح (الصومال)، صنع اللّه ابراهيم ونوال السعداوي (مصر)، عبد الرحمن منيف (المملكة العربية السعودية)، سلمان رشدي (الهند)، يشار كمال (تركيا)، فؤاد التكرلي (العراق)، سيمين بهبهاني (إيران). موسم الهجرة، اختارته تلك النخبة ذات الحس والزكانة مع ما اختارت من آثار من الأدب المكتوب، منذ ان عرف الانسان الكتابة. ويا لها من رفقة: حكايات كانتربري (جيوفري شوسر)، الكوميديا الالهية (دانتي)، هاملت ولير وعطيل (شكسبير)، أوديب الملك (سوفوكليس)، الالياذه (هومير)، فاوست (جوهان ولفقانق جوته). إلى جانب تلك الآثار في الأدب القديم; اختيرت ايضا لآلئ فرائد من الأدب الوسيط والمعاصر: دون كيخوته (ميخيل سرفانتس)، الحرب والسلام وآنا كارنينا (ليو تولستوي); الأعمال المختارة (انطون شيخوف); مدام بوفاري (جوستاف فلوبير)، يوليس (جميز جويس)، أوراق العشب (والت هويتمان)، مرتفعات وذرنق (ايميلي برونتي)، الغرور والتحيز (جين أوستن)، القلعة والمحاكمة (فرانز كافكا)، الترقبات العظيمة (تشارلس ديكنز)، مائة عام من العزلة والحب في زمن الكوليرا (جبرائيل غارسيا ماركيز). تلك صحبة تزهي «الموسم»، كما يزهي الطل الورود. لم تكن رائعة الطيب هي الكتاب العربي المعاصر الوحيد الذي وقع عليه الاختيار، بل تضاممت إلى درة القصة العربية «اولاد حارتنا» لشيخ الروائيين ومتصوف الأدباء نجيب محفوظ. تلك درة أبى لها الذين يقرأون نيابة عن الناس ان تُجلى على أهلها في موطنها. أهو تدني السقف العقلي؟ أم هو ضيق الوعاء؟ فتبين الابعاد الصوفية العميقة في قصص محفوظ لا يشكُل إلا على أمثال هؤلاء. لم يكن «الموسم» أيضا هو الأثر الافريقي الوحيد الذي انتقاه المحكمون، إلى جانبه كانت قصة الأديب النيجيري المتميز شنوا اشيبي «تتساقط الأشياء». اشيبي كاتب لا يكل، ولكن «تتساقط الأشياء» هي جواده الرابح، الفرس الذي سبق كل أفراسه بلا منازع، أو هكذا نحتسب. هي أبرع تصوير للمجتمع الافريقي المأزوم، وفد اليه المبشرون البيض، واقتحمه الاستعمار، فقضيا على الموروث، ولم يتجذر فيه ما اقحموا عليه من صفات وخصائص. وان كان «الموسم» يعبر عن قلق وجودي عميق، فإن قرية اشيبي في «تتساقط الأشياء» هي رمز لأزمة لم تعان منها نيجيريا وحدها، بل تتكرر في كل قطر في القارة، والأزمة تبدأ دوما عندما يتساقط القديم قبل، أو دون، أن يولد الجديد.
    الطيب، من بعد، رجل عميق التدين، على سنته ومنهاجه. قلما يحمل تدينه على كف قميصه، أو يتظاهر به. شأنه شأن اهل السودان الذين تصالح أهله مع دينهم ودنياهم، ففيهم الأزهري المتحذلق، وفيهم رجل الدين المؤمن والصادق مع نفسه، وفيهم بت مجدوب التي تعاقر الخمر، ولها بالطبع شركاء من الجنس الآخر. وهم يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجون إلى بيت اللّه ان استطاعوا إليه سبيلا. ومع هذا وذاك، يحسنون إلى ذي القربى والجار الجُنُب والصاحب بالجَنب وابن السبيل. كادوا يكونون ملائكة، ومن مكرورات الطيب «ولو شاء لأنزل ملائكة». التعايش السلمي بين هؤلاء، هو التسامح الديني في اعلى درجاته. التسامح الديني، واليُسر في أمور العقيدة، ميراث غرسه فينا الاباء والأجداد قبل أن نعرف الطريق إلى الكتاب المطبوع. أدواتنا للتعلم في ذلك الزمان كانت اللوح والعمار (حبر يصنع من سُخام القدور)، نستنشق رائحته الصادحة في حبور، لا ندري إن كنا نستنشق معها أول أو ثاني اكسيد الكربون. وكان الأشياخ يغرسون في قلوب الناس فضائل الدين بلا فظاظة ولا غلاظة، ولو فعلوا لانفض عنهم الحواريون. لايمان الطيب العميق أشير، إذ كان لرائعته صحاب بين أروع نصوص الأدب العرفاني: المثنوي لمولانا جلال الدين الرومي، وأريج البستان للسعدي الشيرازي. المثنوي الذي يضم ستة مجلدات شرحه وترجمه للقارئ العربي المحقق ابراهيم الدسوقي شتا، وكان للمجلس الاعلى للثقافات في مصر الفضل في نشره من بعد ان قام شتا باصدار جزءين منه على نفقته الخاصة. يشد العقل إلى جلال الدين التصاقه بجذعه، في الوقت الذي يهوم فيه بخياله الطماح إلى الآفاق الإنسانية العليا; أصله ثابت وفرعه في السماء. يقول «كل من يبقى بعيدا عن اصوله، لا يكف يروم أيام وصاله». ويقول «من افترق عمن يتحدثون لغته، ظل بلا لسان ولو كان له ألف صوت». واللغة ليست هي الأصوات التي يتحدث بها الناس، وانما هي كل دنياواتهم الفكرية والمعنوية. فجلال الدين لم يتأن عن فراق من «يتحدثون لغته» في بلخ عندما وطأتها جحافل المغول. اتجه إلى سمرقند ومكة ودمشق ثم بلاد الروم حيث أخذ اسمه. كتب جلال الدين المثنوي في القرن الثالث عشر الميلادي ليختزل فيه كل المعاني الإنسانية السامية في الإسلام في ثلاثين ألف بيت، يكاد كل بيت فيها يدعو المرء للتسامي عن العرض الزائل، ويلجم النفس عن الاغترار بالحال، ويندب الإنسان إلى الأدب والمحامد. يقول جلال الدين «ترك الوقحاء الأدب واخذوا كالمتسولين يتخاطفون قطع اللحم»، وما أكثر الذين ما برحوا يتقاتلون على الفتائت. وقال لمن ولوا أمور الناس: «من الأدب يمتلئ الفلك بالنور، وبالأدب يعصم الملك ويتطهر»، أفهل من عاصم للملك في دنيانا ومطهر، يروضه على الأدب، أي محاسن الأخلاق. أجل، فارق مولانا أرض «المتحدثين لغته» بعد ان اضناه اليأس من فجاجتهم لأن «أحوال العارفين لا يدركها فج ساذج، فينبغي ان نُقصر الكلام. سلاما».
    أما أريج البستان، فقد كان لمصر قصب السبق في نقله إلى العربية أيضا على يد استاذ محقق آخر، الدكتور أمين بدوي. آثر بدوي ان يطلق على «بوستان» السعدي اسم اريج البستان. فكلمة «بو»، في قوله، تعني العرف أو الشذى، و«ستان» لاحقة مكانية كقولك كرد (ستان)، افغان (ستان)، وترك «ستان». ظلت الترجمة حبيسة داره حتى قيض اللّه لها ناشرا يدرك قيمة العلم والأدب، الأستاذ محمد المعلم صاحب دار الشروق. البستان أصغر حجما بكثير من المثنوي، الا انه لا يقل عنه خوضا في بحور المعاني. فحكاياته وعبره توصي الملوك بالعدل وحسن التدبير، وتحض عامة الناس على الاحسان والرضا والتواضع، وتحث الجميع على كبح جماح النفس حتى لا تفرط أو تطغى. في انتقاء المحكمين لهذه الكتب، لا شك ان عنصري الانفعال والتفاعل الذاتي لعبا دورا; فالموضوعية الكاملة لا تتحقق إلا في احصاء ما هو بحت خالص كالاريثماطيقا. كما أن لاختلاف الذائقة الأدبية، والمزاج النفسي بين الناقدين أثرهما على الأحكام. بيد أننا لا نرى في انتقاء مائة كاتب وأديب مختلفي الرؤى والمشارب والأذواق لهذه القلائد عدولا عن الحق، مهما كان معنى كلمة الحق في مجال تقويم الأدب. وقد جاء على الناس زمان في تاريخ الأدب العربي كان نقاد الشعر فيه لا يتحدثون عن أعظم شعراء العرب فحسب، بل عن أجمل بيت قالته. وكان من أولئك النقاد من يصدر حكما بالإعدام الأدبي على المئيين. فابن رشيق، مثلا، يقول ان أبا نواس والبحتري أخملا في حياتيهما خمسمائة شاعر، كلهم مُجيد (العمدة). ابن رشيق غالى كثيرا في نقده وتقويمه للشعراء، إلا في حالة واحدة: «ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس». ولا ننكر أن لمزاجنا الخاص علاقة بالاستراحة إلى ذلك الحكم. نقول، مع كل، ان المحكمين لم يرتجلوا حكما عندما استنكروا المؤلفات التي قاومت عوادي الزمان، من هوميروس إلى شكسبير. ولا نخالهم، أيضا، تعاسفوا في احكامهم عندما اضافوا اليها الجديد الذي لم يمتحنه الزمان، كما امتحن ما سبقه. ولربما وجدوا في ذلك الجديد، مثلما نجد، الشمول الانساني مع الخصوصية المبهرة، والنفاذ في المحلية مع التجلي في الإنسانية. لهذا لم تعد تلك الآثار هي أدب زمانها ومكانها فحسب، بل أدب الزمان الآتي وكل مكان. مثل هذه الآثار الأدبية، قال عنها ابراهيم المازني في مقال له عما اسماه «الشعر الحقيقي»، انها «تزيد الإنسان عراقة في انسانيته». ولكن سيبقى للخلاف مجال طالما اختلفت الأذواق. في هذا الشأن قرأنا باستمتاع ما كتبه أمير طاهري (الشرق الأوسط 2 يونيو/ حزيران) حول احتفاء المنتدى النرويجي للكتاب بالمؤلفات المائة. وكشأنه دوما كان طاهري سباقا في عرضه للجديد، في الأدب كما في السياسة والاقتصاد. وعلنا نوافقه الرأي على نعيه على المحكمين غياب بعض الآثار الكلاسيكية العربية التي استذكر من اصحابها محمد عبد الجبار النفري (من النفر بالكوفة) صاحب المواقف والمخاطبات. فالمواقف والمخاطبات لا تقل جدارة عن المثنوي، وقد عرفها المستشرقون وأشادوا بها قبل ان يذيع أمرها بين قراء العربية، إذ انكب على دراستها وتنقيتها وتحقيقها الأستاذ آرثر اربري اعتمادا على النسخة الموجودة في المكتبة البوديليانية باكسفورد. وعقب ذلك التحقيق اصدرتها دار الكتب المصرية في عام 1934. ومثل النفري غاب «نبي» جبران الذي ظل طبقا شهيا في موائد الدراسات الاكاديمية في الولايات المتحدة منذ ان رعت صاحبه ميري هاسيكل وقدمته لمجتمع فكري كان يعاني يومها، بل يفتو يعاني، من الانغلاق والتمركز في الذات. غاب النبي والمجنون وأفانين من الأدب الجبراني الرومانسي الصادح في غنائيته. كما غابت عنها آثار ابن حزم في الحب (طوق الحمامة)، ومسامرات أبي حيان التوحيدي (الامتاع والمؤانسة) التي خاض فيها كل بحر وغاص كل لجة. وعلنا لا نيأس ان افتقدنا اسماء الشعراء العرب الفحول بين العصبة المئية، إذ لم يكن أيضا لكيتس، وبوشكين، وشيلي مكان بينها. ثم ان الشعر العربي، مع عمقه الإنساني، كثيرا ما يستغلق حتى على أهله، رغم انه، كما وصفه ابن سلام الجمحي، «علم قوم لم يكن لهم علم اصح منه»، كما طغت على ذلك الشعر نزعات صارخة في محليتها، ومفرطة في افتعالها، خاصة في التفاخر القبلي والمدح والهجاء. وكان الشعراء، كما يقول احد القدامى، يمدحون بثمن ويهجون بلا ثمن. لا نستبدع، إذن، غياب الآثار الشعرية العربية التي ننام ونصحو بها، بقدر ما نستبدع غياب القرآن كأثر أدبي، اعجازه في بلاغته. ولعلنا نشير بوجه خاص للقرآن المكي. فاختيار سفر ايوب، من بين كل أسفار الكتاب المقدس (العهدين القديم والجديد) كان، كما أورد طاهري بصدق، لأنه جمع بين الأدب والدين. ليس هو مدونة تشريع أو أوامر لا تفهم إلا في سياقها الزمني، وقد لا تتفق مع المزاج والقيم المعيارية للذين لا يدينون بديانتها. فالقرآن المكي يؤهله، بجانب الإبداع الأدبي فيه، ارساؤه المبادئ الإنسانية، واعلاؤه لرايات التسامح، وتكريمه للذكر والأنثى، بل للإنسان ـ بصرف النظر عن جنسه ـ كخليفة للّه في الأرض. لهذا نقول ان طاهري لم يخطئ الهدف عندما وصف ذوق لجنة الاختيار بالتطرف، ونردف: إلى حد ما. على ان الكاتب المدقق لم يصب الهدف عندما قال منتقصا من قصة سلمان رشدي «أولاد منتصف الليل»، التي احتلت مكانها بين الآثار المائة، انها كتبت «في الأصل للسخرية من فتوى الخميني ولا تنال أبدا شرف العمل الأدبي».

    Admin
    Admin
    Admin


    ذكر
    عدد الرسائل : 920
    العمر : 50
    المزاج : مبسوط
    المزاج : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Love
    الهوايات : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Sports10
    المدير : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 970
    تاريخ التسجيل : 18/08/2008

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Empty رد: موسم الهجرة إلى الشمال

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء مارس 03, 2009 9:39 pm


    مقال للدكتور : منصور خالد * ،، منشور بجريدة الشرق الأوسط في 20يونيو 2002م
    .. [ الزين يغيب عن عُرسِه ] ..
    في الحادي والعشرين من أبريل/ نيسان بعث تورهيلد فايكن والففان ديرهيقين، رسالة للطيب صالح يدعوانه فيها باسم المنتدى النرويجي للكتاب للقاء يعقد في معهد نوبل في السابع من مايو. طوت الرسالة القارة لتستقر حيث تستقر الرسائل التي يحملها بريد الطيب، لا يلتفت لها إلا لماما. ففي تلك الرسائل فواتير الكهرباء والماء والغاز، ومطالبات لندن كاونسل، وإعلانات الناشرين; كما فيها اطراءات المعجبين والمعجبات، وما يُبرده الأصدقاء والحادبون. كثيرا ما يترك الطيب أمر هذه الرسائل لأم زينب، في حين يغرق في صومعته مع صحب وشجت عُرى مودته معهم مثل الجاحظ، وأبي الطيب، وأبي تمام; وصدق أو لا تصدق، ذي الرمة والراعي النميري. لأمثال الطيب عوالمهم الخاصة، لا يهربون اليها فرقا من الحاضر أو استهانة به، وانما لأنهم يدركون في قرارة انفسهم بأنهم أتوا هذا الزمان بآخره، فلم يسرهم كما سر من أتوه على شبيبته. العود إلى أولئك حُبّب إلى نفسه، دون ان يلهيه عما يدور حوله في عالم الفكر والأدب.
    أيا كان الحال، أغفل الطيب رسالة النرويجيين كما أغفل رسائل أخريات. على أن تلك الرسالة كانت دعوة لعرس هو صاحبه; تكريم المنتدى لفريدته «موسم الهجرة إلى الشمال»، بين مائة أثر أدبي كان لها، فيما قالت الدعوة، أثر على التاريخ الثقافي للعالم، كما تركت أثرا مميزا في خيال كاتبيها وتفكيرهم. المائة أثر أدبي انتقاها مائة أديب وشاعر من بينهم أربعة من النوبليين هم وولي سونيكا، (نيجيريا)، نادين قولدمر، (جنوب افريقيا)، ف. س. نايبول، (ترينداد)، شيموس هيني، (ايرلندا). وكان المحكمون المائة، في مجموعهم، يمثلون ثقافات العالم المتنوعة، وبينهم رجال ونساء من العرب والمسلمين لا ينكر اسهامهم في الحقل الأدبي إلا جاهل أو مغلاط: آسيا جبار (الجزائر)، أمين معلوف وحنان الشيخ (لبنان)، نور الدين فرح (الصومال)، صنع اللّه ابراهيم ونوال السعداوي (مصر)، عبد الرحمن منيف (المملكة العربية السعودية)، سلمان رشدي (الهند)، يشار كمال (تركيا)، فؤاد التكرلي (العراق)، سيمين بهبهاني (إيران). موسم الهجرة، اختارته تلك النخبة ذات الحس والزكانة مع ما اختارت من آثار من الأدب المكتوب، منذ ان عرف الانسان الكتابة. ويا لها من رفقة: حكايات كانتربري (جيوفري شوسر)، الكوميديا الالهية (دانتي)، هاملت ولير وعطيل (شكسبير)، أوديب الملك (سوفوكليس)، الالياذه (هومير)، فاوست (جوهان ولفقانق جوته). إلى جانب تلك الآثار في الأدب القديم; اختيرت ايضا لآلئ فرائد من الأدب الوسيط والمعاصر: دون كيخوته (ميخيل سرفانتس)، الحرب والسلام وآنا كارنينا (ليو تولستوي); الأعمال المختارة (انطون شيخوف); مدام بوفاري (جوستاف فلوبير)، يوليس (جميز جويس)، أوراق العشب (والت هويتمان)، مرتفعات وذرنق (ايميلي برونتي)، الغرور والتحيز (جين أوستن)، القلعة والمحاكمة (فرانز كافكا)، الترقبات العظيمة (تشارلس ديكنز)، مائة عام من العزلة والحب في زمن الكوليرا (جبرائيل غارسيا ماركيز). تلك صحبة تزهي «الموسم»، كما يزهي الطل الورود. لم تكن رائعة الطيب هي الكتاب العربي المعاصر الوحيد الذي وقع عليه الاختيار، بل تضاممت إلى درة القصة العربية «اولاد حارتنا» لشيخ الروائيين ومتصوف الأدباء نجيب محفوظ. تلك درة أبى لها الذين يقرأون نيابة عن الناس ان تُجلى على أهلها في موطنها. أهو تدني السقف العقلي؟ أم هو ضيق الوعاء؟ فتبين الابعاد الصوفية العميقة في قصص محفوظ لا يشكُل إلا على أمثال هؤلاء. لم يكن «الموسم» أيضا هو الأثر الافريقي الوحيد الذي انتقاه المحكمون، إلى جانبه كانت قصة الأديب النيجيري المتميز شنوا اشيبي «تتساقط الأشياء». اشيبي كاتب لا يكل، ولكن «تتساقط الأشياء» هي جواده الرابح، الفرس الذي سبق كل أفراسه بلا منازع، أو هكذا نحتسب. هي أبرع تصوير للمجتمع الافريقي المأزوم، وفد اليه المبشرون البيض، واقتحمه الاستعمار، فقضيا على الموروث، ولم يتجذر فيه ما اقحموا عليه من صفات وخصائص. وان كان «الموسم» يعبر عن قلق وجودي عميق، فإن قرية اشيبي في «تتساقط الأشياء» هي رمز لأزمة لم تعان منها نيجيريا وحدها، بل تتكرر في كل قطر في القارة، والأزمة تبدأ دوما عندما يتساقط القديم قبل، أو دون، أن يولد الجديد.
    الطيب، من بعد، رجل عميق التدين، على سنته ومنهاجه. قلما يحمل تدينه على كف قميصه، أو يتظاهر به. شأنه شأن اهل السودان الذين تصالح أهله مع دينهم ودنياهم، ففيهم الأزهري المتحذلق، وفيهم رجل الدين المؤمن والصادق مع نفسه، وفيهم بت مجدوب التي تعاقر الخمر، ولها بالطبع شركاء من الجنس الآخر. وهم يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجون إلى بيت اللّه ان استطاعوا إليه سبيلا. ومع هذا وذاك، يحسنون إلى ذي القربى والجار الجُنُب والصاحب بالجَنب وابن السبيل. كادوا يكونون ملائكة، ومن مكرورات الطيب «ولو شاء لأنزل ملائكة». التعايش السلمي بين هؤلاء، هو التسامح الديني في اعلى درجاته. التسامح الديني، واليُسر في أمور العقيدة، ميراث غرسه فينا الاباء والأجداد قبل أن نعرف الطريق إلى الكتاب المطبوع. أدواتنا للتعلم في ذلك الزمان كانت اللوح والعمار (حبر يصنع من سُخام القدور)، نستنشق رائحته الصادحة في حبور، لا ندري إن كنا نستنشق معها أول أو ثاني اكسيد الكربون. وكان الأشياخ يغرسون في قلوب الناس فضائل الدين بلا فظاظة ولا غلاظة، ولو فعلوا لانفض عنهم الحواريون. لايمان الطيب العميق أشير، إذ كان لرائعته صحاب بين أروع نصوص الأدب العرفاني: المثنوي لمولانا جلال الدين الرومي، وأريج البستان للسعدي الشيرازي. المثنوي الذي يضم ستة مجلدات شرحه وترجمه للقارئ العربي المحقق ابراهيم الدسوقي شتا، وكان للمجلس الاعلى للثقافات في مصر الفضل في نشره من بعد ان قام شتا باصدار جزءين منه على نفقته الخاصة. يشد العقل إلى جلال الدين التصاقه بجذعه، في الوقت الذي يهوم فيه بخياله الطماح إلى الآفاق الإنسانية العليا; أصله ثابت وفرعه في السماء. يقول «كل من يبقى بعيدا عن اصوله، لا يكف يروم أيام وصاله». ويقول «من افترق عمن يتحدثون لغته، ظل بلا لسان ولو كان له ألف صوت». واللغة ليست هي الأصوات التي يتحدث بها الناس، وانما هي كل دنياواتهم الفكرية والمعنوية. فجلال الدين لم يتأن عن فراق من «يتحدثون لغته» في بلخ عندما وطأتها جحافل المغول. اتجه إلى سمرقند ومكة ودمشق ثم بلاد الروم حيث أخذ اسمه. كتب جلال الدين المثنوي في القرن الثالث عشر الميلادي ليختزل فيه كل المعاني الإنسانية السامية في الإسلام في ثلاثين ألف بيت، يكاد كل بيت فيها يدعو المرء للتسامي عن العرض الزائل، ويلجم النفس عن الاغترار بالحال، ويندب الإنسان إلى الأدب والمحامد. يقول جلال الدين «ترك الوقحاء الأدب واخذوا كالمتسولين يتخاطفون قطع اللحم»، وما أكثر الذين ما برحوا يتقاتلون على الفتائت. وقال لمن ولوا أمور الناس: «من الأدب يمتلئ الفلك بالنور، وبالأدب يعصم الملك ويتطهر»، أفهل من عاصم للملك في دنيانا ومطهر، يروضه على الأدب، أي محاسن الأخلاق. أجل، فارق مولانا أرض «المتحدثين لغته» بعد ان اضناه اليأس من فجاجتهم لأن «أحوال العارفين لا يدركها فج ساذج، فينبغي ان نُقصر الكلام. سلاما».
    أما أريج البستان، فقد كان لمصر قصب السبق في نقله إلى العربية أيضا على يد استاذ محقق آخر، الدكتور أمين بدوي. آثر بدوي ان يطلق على «بوستان» السعدي اسم اريج البستان. فكلمة «بو»، في قوله، تعني العرف أو الشذى، و«ستان» لاحقة مكانية كقولك كرد (ستان)، افغان (ستان)، وترك «ستان». ظلت الترجمة حبيسة داره حتى قيض اللّه لها ناشرا يدرك قيمة العلم والأدب، الأستاذ محمد المعلم صاحب دار الشروق. البستان أصغر حجما بكثير من المثنوي، الا انه لا يقل عنه خوضا في بحور المعاني. فحكاياته وعبره توصي الملوك بالعدل وحسن التدبير، وتحض عامة الناس على الاحسان والرضا والتواضع، وتحث الجميع على كبح جماح النفس حتى لا تفرط أو تطغى. في انتقاء المحكمين لهذه الكتب، لا شك ان عنصري الانفعال والتفاعل الذاتي لعبا دورا; فالموضوعية الكاملة لا تتحقق إلا في احصاء ما هو بحت خالص كالاريثماطيقا. كما أن لاختلاف الذائقة الأدبية، والمزاج النفسي بين الناقدين أثرهما على الأحكام. بيد أننا لا نرى في انتقاء مائة كاتب وأديب مختلفي الرؤى والمشارب والأذواق لهذه القلائد عدولا عن الحق، مهما كان معنى كلمة الحق في مجال تقويم الأدب. وقد جاء على الناس زمان في تاريخ الأدب العربي كان نقاد الشعر فيه لا يتحدثون عن أعظم شعراء العرب فحسب، بل عن أجمل بيت قالته. وكان من أولئك النقاد من يصدر حكما بالإعدام الأدبي على المئيين. فابن رشيق، مثلا، يقول ان أبا نواس والبحتري أخملا في حياتيهما خمسمائة شاعر، كلهم مُجيد (العمدة). ابن رشيق غالى كثيرا في نقده وتقويمه للشعراء، إلا في حالة واحدة: «ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس». ولا ننكر أن لمزاجنا الخاص علاقة بالاستراحة إلى ذلك الحكم. نقول، مع كل، ان المحكمين لم يرتجلوا حكما عندما استنكروا المؤلفات التي قاومت عوادي الزمان، من هوميروس إلى شكسبير. ولا نخالهم، أيضا، تعاسفوا في احكامهم عندما اضافوا اليها الجديد الذي لم يمتحنه الزمان، كما امتحن ما سبقه. ولربما وجدوا في ذلك الجديد، مثلما نجد، الشمول الانساني مع الخصوصية المبهرة، والنفاذ في المحلية مع التجلي في الإنسانية. لهذا لم تعد تلك الآثار هي أدب زمانها ومكانها فحسب، بل أدب الزمان الآتي وكل مكان. مثل هذه الآثار الأدبية، قال عنها ابراهيم المازني في مقال له عما اسماه «الشعر الحقيقي»، انها «تزيد الإنسان عراقة في انسانيته». ولكن سيبقى للخلاف مجال طالما اختلفت الأذواق. في هذا الشأن قرأنا باستمتاع ما كتبه أمير طاهري (الشرق الأوسط 2 يونيو/ حزيران) حول احتفاء المنتدى النرويجي للكتاب بالمؤلفات المائة. وكشأنه دوما كان طاهري سباقا في عرضه للجديد، في الأدب كما في السياسة والاقتصاد. وعلنا نوافقه الرأي على نعيه على المحكمين غياب بعض الآثار الكلاسيكية العربية التي استذكر من اصحابها محمد عبد الجبار النفري (من النفر بالكوفة) صاحب المواقف والمخاطبات. فالمواقف والمخاطبات لا تقل جدارة عن المثنوي، وقد عرفها المستشرقون وأشادوا بها قبل ان يذيع أمرها بين قراء العربية، إذ انكب على دراستها وتنقيتها وتحقيقها الأستاذ آرثر اربري اعتمادا على النسخة الموجودة في المكتبة البوديليانية باكسفورد. وعقب ذلك التحقيق اصدرتها دار الكتب المصرية في عام 1934. ومثل النفري غاب «نبي» جبران الذي ظل طبقا شهيا في موائد الدراسات الاكاديمية في الولايات المتحدة منذ ان رعت صاحبه ميري هاسيكل وقدمته لمجتمع فكري كان يعاني يومها، بل يفتو يعاني، من الانغلاق والتمركز في الذات. غاب النبي والمجنون وأفانين من الأدب الجبراني الرومانسي الصادح في غنائيته.

    Admin
    Admin
    Admin


    ذكر
    عدد الرسائل : 920
    العمر : 50
    المزاج : مبسوط
    المزاج : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Love
    الهوايات : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Sports10
    المدير : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 970
    تاريخ التسجيل : 18/08/2008

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Empty رد: موسم الهجرة إلى الشمال

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء مارس 03, 2009 9:59 pm


    كما غابت عنها آثار ابن حزم في الحب (طوق الحمامة)، ومسامرات أبي حيان التوحيدي (الامتاع والمؤانسة) التي خاض فيها كل بحر وغاص كل لجة. وعلنا لا نيأس ان افتقدنا اسماء الشعراء العرب الفحول بين العصبة المئية، إذ لم يكن أيضا لكيتس، وبوشكين، وشيلي مكان بينها. ثم ان الشعر العربي، مع عمقه الإنساني، كثيرا ما يستغلق حتى على أهله، رغم انه، كما وصفه ابن سلام الجمحي، «علم قوم لم يكن لهم علم اصح منه»، كما طغت على ذلك الشعر نزعات صارخة في محليتها، ومفرطة في افتعالها، خاصة في التفاخر القبلي والمدح والهجاء. وكان الشعراء، كما يقول احد القدامى، يمدحون بثمن ويهجون بلا ثمن. لا نستبدع، إذن، غياب الآثار الشعرية العربية التي ننام ونصحو بها، بقدر ما نستبدع غياب القرآن كأثر أدبي، اعجازه في بلاغته. ولعلنا نشير بوجه خاص للقرآن المكي. فاختيار سفر ايوب، من بين كل أسفار الكتاب المقدس (العهدين القديم والجديد) كان، كما أورد طاهري بصدق، لأنه جمع بين الأدب والدين. ليس هو مدونة تشريع أو أوامر لا تفهم إلا في سياقها الزمني، وقد لا تتفق مع المزاج والقيم المعيارية للذين لا يدينون بديانتها. فالقرآن المكي يؤهله، بجانب الإبداع الأدبي فيه، ارساؤه المبادئ الإنسانية، واعلاؤه لرايات التسامح، وتكريمه للذكر والأنثى، بل للإنسان ـ بصرف النظر عن جنسه ـ كخليفة للّه في الأرض. لهذا نقول ان طاهري لم يخطئ الهدف عندما وصف ذوق لجنة الاختيار بالتطرف، ونردف: إلى حد ما. على ان الكاتب المدقق لم يصب الهدف عندما قال منتقصا من قصة سلمان رشدي «أولاد منتصف الليل»، التي احتلت مكانها بين الآثار المائة، انها كتبت «في الأصل للسخرية من فتوى الخميني ولا تنال أبدا شرف العمل الأدبي». أولا صدرت أولاد منتصف الليل (أول مؤلف لرشدي نال شهرة عالمية) في عام (1980)، في حين صدرت «الآيات» بعد قرابة العقد من ذلك التاريخ (1989). فلا يجوز القول، إذن، بأنها ما كتبت إلا للسخرية من فتوى الخميني، بالرغم من جدارة تلك الفتوى بتأليف مائة كتاب للسخرية منها. وفيما بين الكتابين أصدر رشدي كتابا آخر هو الخزي (Shame)، ولعله استوحى موضوعه من مقتل ذي الفقار علي بوتو على يد سفاح باكستان العسكري. وستظل «أولاد منتصف الليل»، القصة الاليغورية التي تصور الهند غداة الاستقلال بدرجة عالية من التوتر الدرامي والرصانة في السبك، هي أجود ما كتب رشدي. «الآيات»، من جانب آخر، لم ترق لنا، لا لفحشها (فقد قرأنا في الأدب العربي ما لا يقل فحشا فيما كتبه الزنادقة والمهرطقون)، وإنما لما تبعثه في النفس من الملالة. حجم الرواية وطولها وحدهما لا يحملان المرء على الملل، فالحرب والسلام لتولستوي بصفحاته الخمسمائة وألف لا يبرمك ولا تشق قراءته عليك. كل صفحة فيه تجعلك تتلهف إلى التي تليها. وليس هذا حال «آيات» رشدي التي يشوبها الافتعال، ولهذا يعتري نسيجها الوهن في أكثر من مكان. ليت الذين يبغضون رشدي لتفحشه في «الآيات»، لاموه على الضعف الداخلي في قصته، فالأديب يحاسب على رداءة أدبه، لا على قلة أدبه. ليتهم فعلوا معه ما فعله العامي الروماني بسينا الشاعر في رواية يوليوس قيصر: العامي: مزقوه إربا إربا فهو واحد من المتآمرين.سينا: أنا سينا الشاعر (لست المتآمر). العامي: إذن مزقوه إربا لشعره الرديء، مزقوه لشعره الرديء.
    نعود بعد استطراد، إلى زيننا الذي غاب عن العرس، ولم يستخففه الزهو بما نال من ميز ورفعة بعد ان بلغه الأمر. بداهة علمي بنبأ فوز «الموسم» كان بعد يومين من إعلان النبأ في مجلس حافل تحلقنا فيه حول أديب كبير ذي سماح يفاد من علمه وترجى بركة دعائه، الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري. جاء الطيب، كعهدي به إلى ذلك المجلس يمشي رويدا، لا يَزهق في السير. ثم انتحى لنفسه أقصى المواقع في المجلس رغم إلحاف الشيخ عليه ليجلس بجانبه، فهو أثير لديه. وجلس من بعد صامتا وكأن لم يخرج لتوه منتصرا في واحدة من أمهات المعارك الأدبية، وما أكثر أمهات معاركنا خبيثة الأصل، وما أكثر انتصاراتنا ظنينة النسب. جلس الطيب صامتا حتى همس اليه الدكتور نجم عبد الكريم: «يا طيب لماذا لا نكتب عن هذا الظفر التاريخي». وهمس نجم مجهور له دوي. قلت للطيب: «ما القصة؟». قال: «واللّه ناس النرويج دعونا لحفل في قاعة نوبل لأنهم اختاروا موسم الهجرة مع كتب لجماعة تانين». قلت: «ومن هم الجماعة؟». قال «شكسبير وبرونتي وهمنجواي». لو لم اكن اعرف الطيب عن ظهر قلب، لقلت «يا للافتراء!». ولكني أعرف هذا «الزول»، تواضعه يعتصر الدموع، بل يثير الغضب لدى أصحابه في بعض الأحيان. هو صادق عندما يرفض التعالي، ومخلص عندما ينأى بنفسه عن التنفج، وأبغض الأشياء إليه لي شدقه بالتفصح. لم أر رجلا كالطيب يهضم حق حقه، وهو بذلك راض حامد شاكر. هو نفس «الزول» الذي عرفته في سني الدراسة، وخبرته من بعد في لندن حيث ظللت اختلف عليه ورفيق دربه صلاح أحمد في كهف كان يؤويهما في ثيرلو بليس، يكثران فيه القرى على الأضياف بوجه خصيب. من ذلك الكهف خرج لنا طيب آخر، بعد ان غرق إلى أذنيه في المجتمع الجديد الذي اختاره لمقامه وصارت له فيه رفقة وصهرة، دون ان يتأنجل. لم ينض الوطن أبدا عن ذاكرته وعن قلبه. هذا العمق في الجذور لم يمنعه من الافادة من ذلك المقام، وتلك الرفقة أفاد منها فائدة لم تتوفر لكثيرين، ولم يحرصوا عليها، ولذا بقوا في مهجرهم، أو عادوا إلى ديارهم أخيب مما تركوها. ولعل من أهم ما أفاد الطيب إرهاف وعيه الجمالي على إرهاف، وتعميق شعوره الإنساني على عمق. ولولا هذا الشمول الإنساني الذي أضفى على أدب الطيب طابعا كوزموبوليتانيا، لما وجد كتابه الطريق إلى عشرين لغة في هذا العالم الفسيح. رأى أهل الطيب أيضا فيما أخذ يطل به عليهم شيئا جديدا، ألفوه ولم يألفوه. تناول المتاع المشاع في حياتهم العادية وصاغه في أشكال يتبينون ملامحها فيما ظلوا يمارسون ويعيشون، ولكن تدهشهم في صوغها الجديد صور ذات ظلال. هذا هو دور الصائغ المُجيد. يتناول المادة التي نعرفها جميعا، ذهبا كانت أو فضة أو عاجا، يستنطق صمتها، ويشكلها في هيئة أو وضع هو منها، وليس منها. كثيرون يقسون على الكاتب حين يتوسلون له أو يحثونه، كي يكون صاحب رسالة مباشرة، وللتعبير المباشر أهله; بعضهم يصيب هدفه، وأكثرهم يخيب سهمه عن رميته. الطيب لم يخلق ليعظ في الجبل، هو عصي على التصنيفات الجاهزة التي يجيدها من هم ليسوا على شيء. قلة هم الذين يستطيعون وضع بلادهم على خارطة الأدب العالمي بكل ما في أهلها من تمزق وجودي يعترف به البعض وينكره الآخر، واستماتة للحفاظ على مناقب الخير التي ورثوها أو ظنوا انهم ورثوها، وبكل ما فيه أيضا من فحولة واستخذاء، وآمال وخيبات. لا يحسن القراءة من لا يرى ما في أقاصيص الطيب ورموزه من رسالات الرفض، والتحدي، والانتصار للإنسانية. حتى «الدومة» (شجرة عظامية من الفصيلة النخلية) أصبحت عند الطيب رمزا للتحدي والرفض. ولعل اتخاذ تلك الشجرة التافهة محورا لنضال جبار أبلغ في تعبيره عن اتخاذ كافكا للقلعة محورا للحياة والنضال في قريته البوهيمية. لا نسمي الطيب مهاجرا أو لاجئا أو منفيا لأن الأوطان ليست ظواهر جغرافية، فالأوطان ترتحل في قلوب أصحابها. مرة أو مرتين بدا لي الطيب غنيا عن وطنه، لا يستخفه إليه إياب. هذه الاستكانة لرأي شاعره وشاعري الحبيب، ربما كانت تعبيرا عن ألم أمضه كما يُمض الخل اللسان المقروح: رؤية أهله وقد أخذهم من أخذهم قهارة وعلى كره منهم، حتى أصبح وجود الوطن كله ملحقا بوجود فئة من أهله. ولعل الذي أثار حفيظة الكاتب ـ أكثر من العذاب والتعذيب ـ غسيل الأمخاخ ومحو الحكمة المأثورة في بلاد ما عرفت حتى أشد عهودها المعاصرة احلولاكا وزارات للعقل وللحقيقة، وأخ كبير يتنفس على الرقاب. يخشى الطيب على هؤلاء مصير ونستون سمث، فمتخيلات جورج أورويل أصبحت حقيقة في وطن لم يعد لها أصلا. ومتى؟ بعد ان صوحت الأغصان في «حقل الحيوان»، ولم يعد للخنازير الذكية أثر حتى في البلاد التي أنجبتها. لهذا فشت للطيب قالة: «هؤلاء، من أين أتوا؟» تلك قلادة سوء قلدها كبير أدبائنا لمن قلد. في لقائنا المحضور قال نجم للطيب، وتبعه الأديب الفَطِن، عبد اللّه محمد الناصر لماذا أنت ضنين؟ لماذا لا تكتب؟ تلهفت لسماع الجواب. قال أديبنا: هناك ما هو أهم من الكتابة؟ لم يقنع الجواب السائلين فأردفا: مثل ماذا؟ قال الأديب الكبير: القراءة مثلا. أقطع انه لم يقلها تكلفة; بل كان صادقا فيما قال. فالطيب رجل فِكّير، والقراءة تمنح المرء أفقا غير محدود للتأمل. كما ان الكتاب، كما قال الجاحظ، هو «الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، يطيل امتاعك، ويشحذ طباعك». وليس مثل الجاحظ قارئ. لقي حتفه بين الكتب حين سقطت خزانة كتبه على أم رأسه. ذلك الحب القتال للقراءة لم يمنع الجاحظ من أن يكون أكثر أهل عصره انهماكا في التأليف في كل ضروب المعرفة; حتى الحيوان كان له موقع في سياحاته المعرفية. لا تئد الكتابة فانها، إن صَدَقت، هي المرشد من الضلال، ولا تكسر القلم فهو المفصح عن الأحوال. يا زين، يا طيب، يا صالح، وتلك صفات لفضائل تتسابق... كتبت أم لم تكتب، نحن بك فخورون. وفخورون بأن بعض ما أورثته لنا وجد في التاريخ مكانا له مع سفر أيوب.. «ليت كلماتي الآن تكتب. ليتها رسمت ونقرت إلى الأبد في الصخر بقلم حديد» (الاصحاح التاسع عشر/ 3). لقد تُوجت يا زين في مملكتك، مملكة الأدب، مملكة الأثر الباقي; فبقية الممالك كلها أدنى من مملكة لير، لا تساوي حصانا. ويوم تعود، لن تكون عودتك إلى وطنك كعودة أودو ديسوس بعد حروب طروادة، لم يتذكره غير كلبه وممرضته. سيكون في استقبالك وطن ذو زهاء; الذين تعرف والذين لا تعرف من أين جاءوا. ففضلك لا يجهله إلا من يجهل القمر.

    Admin
    Admin
    Admin


    ذكر
    عدد الرسائل : 920
    العمر : 50
    المزاج : مبسوط
    المزاج : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Love
    الهوايات : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Sports10
    المدير : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 970
    تاريخ التسجيل : 18/08/2008

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Empty رد: موسم الهجرة إلى الشمال

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء مارس 03, 2009 10:01 pm


    هكـــذا رحل

    بلا ضجيج

    هكذا اختار الغياب

    رحل كمواسم الهجرة غير أنه اتجه للسماء هذه المرة وليس للشمال

    وتوارى ( ضوء البيت ) كأنه لم يكن يوم عرس للزين ويغني مع (مريود )


    بل كأنه لم يعرف يوم (دومة ود حامد )اه كم هو الغياب مفجع يأأصلح الطيببين وكم هو رحيلك مؤلم

    يا (سيد الرواية )

    اي حبر ينعى رجل يقامتك السمراء الجميلة وانت الذي نشرت الحب هنا واوغلت في العشق هناك

    اي حرف ينعاك ياسيد الحرف في زمن كثر الادعياء وأهل المهن الضالة

    رحل معك (مصطفى سعيد ) ومحجوب ( وطاهر ) وحسناء ) كل الذين كنا نلتقي بهم هناك

    رحلوا

    والله أننا على فراقك يا صالح الطيبين لمحزونون

    فيلرحمك من يعلم السر والنجوى ولترحل روحك الى سماء الحب

    الين
    الين
    عضو ماسي


    انثى
    عدد الرسائل : 207
    العمر : 38
    المزاج : ممتاز
    العمل : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Engine10
    البلد : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Female70
    المزاج : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Moasel
    الهوايات : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Painti10
    المدير : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Aw110
    جنسيتك : الاردن
    تاريخ التسجيل : 19/01/2009

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Empty رد: موسم الهجرة إلى الشمال

    مُساهمة من طرف الين الأربعاء مارس 04, 2009 2:38 pm

    قصة عن شخصية رائعة رحمه الله
    ونصوص مميزة ورائعة زودنا بها مديرنا الفاضل
    سلمت يداك

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 1085regardsabeermahmoudzu0
    الين
    الين
    عضو ماسي


    انثى
    عدد الرسائل : 207
    العمر : 38
    المزاج : ممتاز
    العمل : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Engine10
    البلد : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Female70
    المزاج : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Moasel
    الهوايات : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Painti10
    المدير : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Aw110
    جنسيتك : الاردن
    تاريخ التسجيل : 19/01/2009

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Empty رد: موسم الهجرة إلى الشمال

    مُساهمة من طرف الين الأربعاء مارس 04, 2009 3:03 pm

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 215116-albums719-picture4629
    avatar
    ساندي
    عضو جديد


    انثى
    عدد الرسائل : 66
    العمر : 44
    العمل : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Broadc10
    تاريخ التسجيل : 16/02/2009

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Empty رد: موسم الهجرة إلى الشمال

    مُساهمة من طرف ساندي الأربعاء مارس 04, 2009 3:52 pm

    موضوع في قمة الروعة
    ومجهود جبار
    رحمه الله وبارك لنا فيك

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 1179thanksabeermahmoudok6
    Angel
    Angel
    Admin


    انثى
    عدد الرسائل : 862
    العمر : 94
    العمل : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Player10
    المزاج : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 6rb
    الهوايات : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Writin10
    المدير : موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 1187177599
    جنسيتك : سوريا
    تاريخ التسجيل : 21/08/2008

    موسم الهجرة إلى الشمال - صفحة 2 Empty رد: موسم الهجرة إلى الشمال

    مُساهمة من طرف Angel الأربعاء مارس 04, 2009 4:21 pm

    شو بدي قول انت دوماً عبقري
    الطيب صالح من الكتاب المفضلين لدي واول قصة قرأتها له كانت حفنة تمر وقد تأثرت بها كثيراً
    هي القصة بسمع عنها كتير بس للحقيقة ما قرأتها قبل هالمرة ان شاء الله بقرأها عن قريب لانك حقيقة شوقتنا الها كتير
    يسلموا هالانامل وننتظر جديدك دماً
    ورحم الله الطيب صالح


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 6:25 pm