دمشق ... وما أدراكم ما دمشق؟؟؟؟
جرت العادة على أن يحمل كل الإنسان أوراقه الثبوتية عندما يُسافر
أو يخرج من بيته, مثل الهوية أو جواز السفر, أو بطاقة الإقامة, و كل هذه الأوراق
يوجد فيها خانة اسمها, خانة : مكان الاقامة أو السكن.
و الآن
أردت أن أعكس لكم الصورة, بحيث يصبح وطني,
هو الذي يحمل بيانات
تُثبت مكان إقامته و سُكناه... في قلبي أنا
فأنا من تسكن دمشق في حنايا قلبها,
و زوايا روحها, و لمن يعرف دمشق قبل الذي لا يعرفها
ستكون هذه الكلمات.
ملاحظة: أنا أركز في الكلام عن دمشق ليس تعصب أو تحيز , و لكن
لأنني لم أزر غيرها من محافظات الوطن, بالاضافة لأني من الناس الذين
إذا اضطروا للنوم خارج بيتهم, تراهم يعانون الغربة و الحنين الى البيت.
ماهو تعريف دمشق؟
بالإذن من "غوار الطوشة" سأقتبيس عبارة من أغنيته, و أقول لكم:
"بعيونكم لا تشوفوها.. بس شوفوها بعيوني"
دمشق هي:
ذلك الصباح الفيروزي الذي تتغزل فيه فيروز فتقول:
" و عليكِ عيني يا دمشقُ..فمنك ينهمرُ الصباح"
هذا الصباح الذي أستقبله مع فنجان القهوة, آآآآآآه على قهوتك يا شام
و رائحة الهيل, فمن الذين أعرفهم و قد كتب الله عليهم الغربة, استوعبوا قليلاً فكرة أن
يُصبح عليهم صباح غير صباح دمشق الفيروزي, لكنهم لم يستوعبوا أن يُحرموا
من طعم دمشق الذي يسكن في فنجان قهوتها, لذلك آثروا على أن يأخذوا معهم
مؤونة من البن تكفيهم, عسى أن يكون هذا البن هو الحبل السري الذي يربط بينهم في الغربة, و بين مسقط قلبهم دمشق.
دمشق هي:
ذلك الشتاء , المُحمل بالخير من السماء, من ثلج و مطر ليغسل به الأرض و النفوس, و يروي عطش النبات و العباد.
أظن أن مطر دمشق لا يُشبه مطر أي مدينة أخرى, قد أكون
متحيزة و متعصبة هنا بعض الشيئ,
فليكن...
فالحب لا سقف له, و التطرف في الولاء للوطن فرض عين على كل إنسان.
شتاء الشام يعني أن يلفني معطفي , و أمشي في شوارعك يا دمشق
أشق الريح التي تُقاومني بحب, فأصرعها بحب أكبر.
و حبات المطر التي تهبط من السماء بقدرة خالقها
و مكتوب على كل حبة مطر اسم صاحبها الذي ستنزل عليه
و تُنقيه و تُعطيه من خواصها و صفاتها الطاهرة,
شتاء دمشق ألاّ تتوقى المطر بشمسية أبداً, بل تترك المطر
يغمرك و يغمر كل المجانين أمثالك, الذين آثروا تلبية تلك الرغبة الساحرة
التي تنادينا بمجرد هطول المطر, و تُخاطبنا كأم حانية و تقول:
أخرجوا يا أولادي , تعالوا لأغمركم بفيض حبي و خيري الذي لا ينضب, فتجد
نفسك تمشي مبتسماً ككل من حولك, سعيد بالخير الهابط من رب السماء,
و الذي نفرح بأن الله أرسله لنا, و لو أننا في أحيان كثيرة نقول بأننا لا نستحقه, لكن الله كريم.
و بينما أنت سائراً مبتسماً, تأتي سيارة مسرعة فتبلل ثيابك بمياه الارض الغير نظيفة, و بلحظة تحاول أن تغضب, لكن من فرط السعادة بتلك اللحظة, تكون أكبر من الموقف, فتعود للابتسام, فطعم هذه السعادة لن تسمح لأحد مهما فعل أن يسلبك طعمه الذي لا يعرفه الا من جربه.
أما ليالي دمشق الشتوية فهي لوحدها لوحة فسيفساء تخلب لب الناظر اليها و المعايش لها,
فهنا ترى
ركناً لعائلة تحلقت حول مدفأة عليها حبات الكستناء و يتضاحكون و هم يفركون كفاُ بكف
حتى يسري الدفء الأسري إلى أطرافهم.
و هنا ترى ركناً آخر لعائلة جلس الأولاد على السجادة و هم يلعبون البرجيس
و انقسموا لفريقين و أصوات ضحكاتهم و اتهاماتهم بالغش لبعضهم البعض تتناثر في المكان
و أمامهم مستلزمات السهرة من "عوامة" و "ستاتي" و "الفول النابت" و "البليلة" و "الحبوب"
و يُخيم على اللوحة الفسيفسائية صوت أم كلثوم يصدح,
فكما صباحات دمشق فيروزية, فلياليها كلثومية من الطراز الأول.
و عندما يغمرنا الله بكرمه, و يفيض علينا من خزائن خيره, تكتسي دمشق بالثوب الابيض الثلجي, و هنا لك أن تتخيل إذا خرجت من بيتك, ما الذي سيجري لك, حيث ستتعرض و أنت ماشياً في أمان الله , بكرات الثلج تنهمر عليك من حيث تدري و من حيث لا تدري, و حينها لن تجد سبيلاً أمامك
إلا أن تسرق كمشة ثلج من سطح أقرب سيارة, و ترمي بها من تقابله متخلياً عن وقارك , و تضحك كما الكل يضحك.
دمشق هي:
ذلك النهر الجبار "بردى" الذي يُصر على التمسك بالحياة مستمداً قوته من ماضيه المجيد
رغم قسوة الزمن عليه, و هو لو استطاع أن يرتوي من حبنا, لفاض بالخير و ضج بالحياة.
دمشق هي صلاة الاستسقاء التي ما أن ننتهي منها حتى يأتي الجواب من السماء بأمر رب السماء.
دمشق هي:
ذلك الصيف المتمثل بعائلات الشام البسيطة التي تخرج أيام العطلة إلى بساتين الشام و ما بقي من غوطتها, فتراهم كلٌ مشغول بتنفيذ مهمته, فترى النسوة منشغلات بإعداد التبولة, و الرجال
يقومون بشي اللحوم, و الأطفال يلعبون و تتناثر ضحكاتهم, و تسمع من هنا و هناك أصوات طاولة الزهر و الأركيلة, و لا تنسى من أخذ على عاتقه مهمة الغناء و إشاعة الفرح بين الحاضرين, فتراه ممسكاً بالدربكة أو العود, و الكل يشاركه في أغاني مثل
"سكابا يا دموع العين"
" يا طيرة طيري يا حمامة"
"يا مال الشام"
و غيرها من أغاني السيارين الدمشقية
و بعد الطعام يعم الهدوء و تبدأ مباريات لعب "الشدة" و الطاولة من "مغربية "و "محبوسة", و يكون ختام السيران بالبطيخ المُبرد في النهرأو الساقية.
و يعود الجميع إلى بيوتهم بحالة مُغايرة تماماً عن الحالة التي غادروها فيها, فالخمول
و التعب يلفهم, فلا يملك أحدهم القوة للغناء أو الكلام , فيكتفون بالاستماع
لأغاني أم كلثوم.
و هنا اسمحوا لي أن أحسد بشكل مباشر, تلك السيارات السوزوكي
التي أغلبكم شاهدها, يا اللــــه كم هم بسطاء و لكن سعداء, فأنا عندما أراهم
تتملكني حيرة غريبة, و أقف عند تفاصيل صغيرة و لكنها مُحيرة,فسياراتهم كلها مُضاءة بشكل
ملفت للنظر, و دائماً ينبعث منها صوت أم كلثوم و جورج وسوف حصراً , و لا بد أن يكون الصوت مرتفع جداً.
و النسوة و الأولاد يجلسون في الخلف بتلقائية شديدة مثيرة للرغبة حتى تُجرب شعورهم , و لكن هيهات.
دمشق هي:
ياسمين نزار قباني
و حبق و منتور فيروز
و الورد الجوري, و الفل الذي بياضه يوازي بياض قلوب أهل سوريا جميعاً.
دمشق هي البيوتات العربية , و البحرة و شجر النارنج و الكبّاد و الليمون,
و الباب الذي لتدخل منه أنت, يجب أن تنحني احتراماً لوقارالبيت
الذي سيفتح لك أبواب الجنة في أرض الديار.
دمشق هي قاسيون ذلك الجبل الآسر الواضح الذي ما إن تعتليه حتى يفتح لك كل أبوابه و شبابيكه,و يمنحك صورة ما إن تراها عيناك حتى يطبعها عقلك و يخفق لروعتها قلبك.
دمشق هي:
"بلودان" و "مورا" و "أبو زاد" بضجيج الناس و الأولاد , و "بقين" و "مضايا" و "سرغايا"
و "الزبداني", و "عين الفيجة" و "عين الخضرة", و "كسب" و "صلنفة".
دمشق هي:
سوق الحميدية و القباقبية و الجامع الأموي و ما أدراك ما مآذن الجامع الأموي
وقهوة النوفرة, و البزورية هذا السوق الذي يُحرض لديك حاسة الشم و البصر
لما فيه من توابل و بهارات من كل لون و صنف, دمشق هي سوق الخياطين و سوق تفضلي يا خانم و المسكية و قلعة دمشق و تمثال صلاح الدين و قبر صلاح الدين.
دمشق هي:
شوارع باب توما و القصاع التي تصبح لوحات فنية في أعياد الميلاد فكما الناس تكون سعيدة ترى الشرفات جميعها
سعيدة و تنطق نوراً من الزينة و الاضاءة التي يتفنن كل بيت في وضعها.
و أجراس الكنائس أيام الآحاد.
دمشق هي:
رمضان و مدفع الافطار و الامساك و المسَحر الذي سررت جداً انه لم ينقرض حتى الآن.
و بائعي المعروك و الناعم و العرقسوس, دمشق الخالية تماماً من الناس في لحظة
قول: "الله أكبر"
دمشق مئذنة "سيدي بلال" و صلاة التراويح و التهجد, و ليلة القدر و يوم الوقفة و زكاة الفطر و تكبيرات العيد, و زحمة الوقوف على الدور عند سميراميس, لتحظى
"بالمعمول" و "الكول وشكور" و "المبرومة "
و كلمة "كل سنة و انت سالم" التي تقولها و تسمعها كثيراً
دمشق هي:
يوم الثلاثاء الساعة الواحدة و النصف, و الناس جميعاً في السيارات أو البيوت
يستمعون لـ "حكم العدالة"
دمشق هي: عندما تتعثر في الشارع تجد الكثير الكثير ليقول لك: " الله يحميك"
دمشق هي :
بائعي الصبارة و الذرة و التماري بكعك.
دمشق هي:
ساحة الأمويين التي أخدت من أعمارنا سنوات, حتى رأيناها كما نشتهي و نتمنى.
دمشق الزحام المختلط مع الحب و التذمر البساطة و الألفة و الإيمان .
دمشق هي:
أصوات الآذان الذي طالما أحرص على سماعه و انصت إليه و أنا أُشبع حاسة السمع
بهذا الأداء الساحر, و أذان الجامع الأموي الجماعي الذي تنفرد دمشق به دون غيرها من البلاد.
دمشق هي :
عندما تمر جنازة في أحد الشوارع
تجد كل الذين يسيرون في الشارع يرفعون أكفهم للسماء
و يستنزلون الرحمة من الله تعالى للفقيد.
دمشق هي:
عندما تمشي في حارة ما, فتجد أطفال يلعبون الكرة
فتدعوا الله في قرارة نفسك, أن تأتي الكرة أمامك بطريق الخطأ,
حتى تشوطها و تشارك الأطفال و تستعيد ذكريات طفولتك.
دمشق هي:
ليست كل ما ذكرت
لأن كل ما ذكرت ما هو
إلا جزء من جزء من جزء
مما أشعر به.
فباللــه عليكم أجيبوني
هل نحن نسكن الأوطان
أم
الأوطان هي التي تسكننا؟؟؟؟؟
جرت العادة على أن يحمل كل الإنسان أوراقه الثبوتية عندما يُسافر
أو يخرج من بيته, مثل الهوية أو جواز السفر, أو بطاقة الإقامة, و كل هذه الأوراق
يوجد فيها خانة اسمها, خانة : مكان الاقامة أو السكن.
و الآن
أردت أن أعكس لكم الصورة, بحيث يصبح وطني,
هو الذي يحمل بيانات
تُثبت مكان إقامته و سُكناه... في قلبي أنا
فأنا من تسكن دمشق في حنايا قلبها,
و زوايا روحها, و لمن يعرف دمشق قبل الذي لا يعرفها
ستكون هذه الكلمات.
ملاحظة: أنا أركز في الكلام عن دمشق ليس تعصب أو تحيز , و لكن
لأنني لم أزر غيرها من محافظات الوطن, بالاضافة لأني من الناس الذين
إذا اضطروا للنوم خارج بيتهم, تراهم يعانون الغربة و الحنين الى البيت.
ماهو تعريف دمشق؟
بالإذن من "غوار الطوشة" سأقتبيس عبارة من أغنيته, و أقول لكم:
"بعيونكم لا تشوفوها.. بس شوفوها بعيوني"
دمشق هي:
ذلك الصباح الفيروزي الذي تتغزل فيه فيروز فتقول:
" و عليكِ عيني يا دمشقُ..فمنك ينهمرُ الصباح"
هذا الصباح الذي أستقبله مع فنجان القهوة, آآآآآآه على قهوتك يا شام
و رائحة الهيل, فمن الذين أعرفهم و قد كتب الله عليهم الغربة, استوعبوا قليلاً فكرة أن
يُصبح عليهم صباح غير صباح دمشق الفيروزي, لكنهم لم يستوعبوا أن يُحرموا
من طعم دمشق الذي يسكن في فنجان قهوتها, لذلك آثروا على أن يأخذوا معهم
مؤونة من البن تكفيهم, عسى أن يكون هذا البن هو الحبل السري الذي يربط بينهم في الغربة, و بين مسقط قلبهم دمشق.
دمشق هي:
ذلك الشتاء , المُحمل بالخير من السماء, من ثلج و مطر ليغسل به الأرض و النفوس, و يروي عطش النبات و العباد.
أظن أن مطر دمشق لا يُشبه مطر أي مدينة أخرى, قد أكون
متحيزة و متعصبة هنا بعض الشيئ,
فليكن...
فالحب لا سقف له, و التطرف في الولاء للوطن فرض عين على كل إنسان.
شتاء الشام يعني أن يلفني معطفي , و أمشي في شوارعك يا دمشق
أشق الريح التي تُقاومني بحب, فأصرعها بحب أكبر.
و حبات المطر التي تهبط من السماء بقدرة خالقها
و مكتوب على كل حبة مطر اسم صاحبها الذي ستنزل عليه
و تُنقيه و تُعطيه من خواصها و صفاتها الطاهرة,
شتاء دمشق ألاّ تتوقى المطر بشمسية أبداً, بل تترك المطر
يغمرك و يغمر كل المجانين أمثالك, الذين آثروا تلبية تلك الرغبة الساحرة
التي تنادينا بمجرد هطول المطر, و تُخاطبنا كأم حانية و تقول:
أخرجوا يا أولادي , تعالوا لأغمركم بفيض حبي و خيري الذي لا ينضب, فتجد
نفسك تمشي مبتسماً ككل من حولك, سعيد بالخير الهابط من رب السماء,
و الذي نفرح بأن الله أرسله لنا, و لو أننا في أحيان كثيرة نقول بأننا لا نستحقه, لكن الله كريم.
و بينما أنت سائراً مبتسماً, تأتي سيارة مسرعة فتبلل ثيابك بمياه الارض الغير نظيفة, و بلحظة تحاول أن تغضب, لكن من فرط السعادة بتلك اللحظة, تكون أكبر من الموقف, فتعود للابتسام, فطعم هذه السعادة لن تسمح لأحد مهما فعل أن يسلبك طعمه الذي لا يعرفه الا من جربه.
أما ليالي دمشق الشتوية فهي لوحدها لوحة فسيفساء تخلب لب الناظر اليها و المعايش لها,
فهنا ترى
ركناً لعائلة تحلقت حول مدفأة عليها حبات الكستناء و يتضاحكون و هم يفركون كفاُ بكف
حتى يسري الدفء الأسري إلى أطرافهم.
و هنا ترى ركناً آخر لعائلة جلس الأولاد على السجادة و هم يلعبون البرجيس
و انقسموا لفريقين و أصوات ضحكاتهم و اتهاماتهم بالغش لبعضهم البعض تتناثر في المكان
و أمامهم مستلزمات السهرة من "عوامة" و "ستاتي" و "الفول النابت" و "البليلة" و "الحبوب"
و يُخيم على اللوحة الفسيفسائية صوت أم كلثوم يصدح,
فكما صباحات دمشق فيروزية, فلياليها كلثومية من الطراز الأول.
و عندما يغمرنا الله بكرمه, و يفيض علينا من خزائن خيره, تكتسي دمشق بالثوب الابيض الثلجي, و هنا لك أن تتخيل إذا خرجت من بيتك, ما الذي سيجري لك, حيث ستتعرض و أنت ماشياً في أمان الله , بكرات الثلج تنهمر عليك من حيث تدري و من حيث لا تدري, و حينها لن تجد سبيلاً أمامك
إلا أن تسرق كمشة ثلج من سطح أقرب سيارة, و ترمي بها من تقابله متخلياً عن وقارك , و تضحك كما الكل يضحك.
دمشق هي:
ذلك النهر الجبار "بردى" الذي يُصر على التمسك بالحياة مستمداً قوته من ماضيه المجيد
رغم قسوة الزمن عليه, و هو لو استطاع أن يرتوي من حبنا, لفاض بالخير و ضج بالحياة.
دمشق هي صلاة الاستسقاء التي ما أن ننتهي منها حتى يأتي الجواب من السماء بأمر رب السماء.
دمشق هي:
ذلك الصيف المتمثل بعائلات الشام البسيطة التي تخرج أيام العطلة إلى بساتين الشام و ما بقي من غوطتها, فتراهم كلٌ مشغول بتنفيذ مهمته, فترى النسوة منشغلات بإعداد التبولة, و الرجال
يقومون بشي اللحوم, و الأطفال يلعبون و تتناثر ضحكاتهم, و تسمع من هنا و هناك أصوات طاولة الزهر و الأركيلة, و لا تنسى من أخذ على عاتقه مهمة الغناء و إشاعة الفرح بين الحاضرين, فتراه ممسكاً بالدربكة أو العود, و الكل يشاركه في أغاني مثل
"سكابا يا دموع العين"
" يا طيرة طيري يا حمامة"
"يا مال الشام"
و غيرها من أغاني السيارين الدمشقية
و بعد الطعام يعم الهدوء و تبدأ مباريات لعب "الشدة" و الطاولة من "مغربية "و "محبوسة", و يكون ختام السيران بالبطيخ المُبرد في النهرأو الساقية.
و يعود الجميع إلى بيوتهم بحالة مُغايرة تماماً عن الحالة التي غادروها فيها, فالخمول
و التعب يلفهم, فلا يملك أحدهم القوة للغناء أو الكلام , فيكتفون بالاستماع
لأغاني أم كلثوم.
و هنا اسمحوا لي أن أحسد بشكل مباشر, تلك السيارات السوزوكي
التي أغلبكم شاهدها, يا اللــــه كم هم بسطاء و لكن سعداء, فأنا عندما أراهم
تتملكني حيرة غريبة, و أقف عند تفاصيل صغيرة و لكنها مُحيرة,فسياراتهم كلها مُضاءة بشكل
ملفت للنظر, و دائماً ينبعث منها صوت أم كلثوم و جورج وسوف حصراً , و لا بد أن يكون الصوت مرتفع جداً.
و النسوة و الأولاد يجلسون في الخلف بتلقائية شديدة مثيرة للرغبة حتى تُجرب شعورهم , و لكن هيهات.
دمشق هي:
ياسمين نزار قباني
و حبق و منتور فيروز
و الورد الجوري, و الفل الذي بياضه يوازي بياض قلوب أهل سوريا جميعاً.
دمشق هي البيوتات العربية , و البحرة و شجر النارنج و الكبّاد و الليمون,
و الباب الذي لتدخل منه أنت, يجب أن تنحني احتراماً لوقارالبيت
الذي سيفتح لك أبواب الجنة في أرض الديار.
دمشق هي قاسيون ذلك الجبل الآسر الواضح الذي ما إن تعتليه حتى يفتح لك كل أبوابه و شبابيكه,و يمنحك صورة ما إن تراها عيناك حتى يطبعها عقلك و يخفق لروعتها قلبك.
دمشق هي:
"بلودان" و "مورا" و "أبو زاد" بضجيج الناس و الأولاد , و "بقين" و "مضايا" و "سرغايا"
و "الزبداني", و "عين الفيجة" و "عين الخضرة", و "كسب" و "صلنفة".
دمشق هي:
سوق الحميدية و القباقبية و الجامع الأموي و ما أدراك ما مآذن الجامع الأموي
وقهوة النوفرة, و البزورية هذا السوق الذي يُحرض لديك حاسة الشم و البصر
لما فيه من توابل و بهارات من كل لون و صنف, دمشق هي سوق الخياطين و سوق تفضلي يا خانم و المسكية و قلعة دمشق و تمثال صلاح الدين و قبر صلاح الدين.
دمشق هي:
شوارع باب توما و القصاع التي تصبح لوحات فنية في أعياد الميلاد فكما الناس تكون سعيدة ترى الشرفات جميعها
سعيدة و تنطق نوراً من الزينة و الاضاءة التي يتفنن كل بيت في وضعها.
و أجراس الكنائس أيام الآحاد.
دمشق هي:
رمضان و مدفع الافطار و الامساك و المسَحر الذي سررت جداً انه لم ينقرض حتى الآن.
و بائعي المعروك و الناعم و العرقسوس, دمشق الخالية تماماً من الناس في لحظة
قول: "الله أكبر"
دمشق مئذنة "سيدي بلال" و صلاة التراويح و التهجد, و ليلة القدر و يوم الوقفة و زكاة الفطر و تكبيرات العيد, و زحمة الوقوف على الدور عند سميراميس, لتحظى
"بالمعمول" و "الكول وشكور" و "المبرومة "
و كلمة "كل سنة و انت سالم" التي تقولها و تسمعها كثيراً
دمشق هي:
يوم الثلاثاء الساعة الواحدة و النصف, و الناس جميعاً في السيارات أو البيوت
يستمعون لـ "حكم العدالة"
دمشق هي: عندما تتعثر في الشارع تجد الكثير الكثير ليقول لك: " الله يحميك"
دمشق هي :
بائعي الصبارة و الذرة و التماري بكعك.
دمشق هي:
ساحة الأمويين التي أخدت من أعمارنا سنوات, حتى رأيناها كما نشتهي و نتمنى.
دمشق الزحام المختلط مع الحب و التذمر البساطة و الألفة و الإيمان .
دمشق هي:
أصوات الآذان الذي طالما أحرص على سماعه و انصت إليه و أنا أُشبع حاسة السمع
بهذا الأداء الساحر, و أذان الجامع الأموي الجماعي الذي تنفرد دمشق به دون غيرها من البلاد.
دمشق هي :
عندما تمر جنازة في أحد الشوارع
تجد كل الذين يسيرون في الشارع يرفعون أكفهم للسماء
و يستنزلون الرحمة من الله تعالى للفقيد.
دمشق هي:
عندما تمشي في حارة ما, فتجد أطفال يلعبون الكرة
فتدعوا الله في قرارة نفسك, أن تأتي الكرة أمامك بطريق الخطأ,
حتى تشوطها و تشارك الأطفال و تستعيد ذكريات طفولتك.
دمشق هي:
ليست كل ما ذكرت
لأن كل ما ذكرت ما هو
إلا جزء من جزء من جزء
مما أشعر به.
فباللــه عليكم أجيبوني
هل نحن نسكن الأوطان
أم
الأوطان هي التي تسكننا؟؟؟؟؟