رحلة أبو العيش الفلسطيني..الطبيب الذي فقد 3 من بناته وابنة شقيقه في حرب إسرائيل على غزة
بعدما قتل الإسرائيليون، بناته الثلاث، في مخيم جباليا في قطاع غزة، خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع، ظل الدكتور عز الدين أبو العيش، يبشر بالسلام، ويبحث عن العدل والمساواة والشراكة، ويعالج الإسرائيليين الذي يحتاجون إلى العلاج. قد يبدو هذا مثيراً للدهشة، خصوصاً أنه قال إنه لم يكره اليهود أبداً، بعد قتلهم بناته، وأنه ما زال مستعداً لأن يقدم لهم العلاج واحداً واحداً، حتى أولئك الذي أطلقوا قذائف الدبابات، تجاه منزله وقتلوا أغلى ما لديه وحصيلة عمره. يفسر الدكتور أبو العيش ذلك بأنه «إنسان» ومتمسك بإنسانيته، وفوق كل ذلك، فإنه لا يستطيع أن يكره الناس، بل يكره فعل الناس. وربما فإن «الظلم والفقر» الشديدين، اللذين عاشهما أبو العيش طفلا لاجئاً، وتلميذاً، وطبيباً، يعطي تفسيراً أكثر لإصرار هذا الرجل على أن يجعل من مأساته، دافعاً نحو «تغيير إيجابي» لمد مزيد من جسور السلام بين الشعبين وتحقيق السلام لمنع آباء فلسطينيين آخرين من أن يخسروا أبناءهم وبناتهم ويذوقوا العذاب المر الذي مر به الدكتور أبو العيش. ويؤمن أبو العيش، طبيب الأمراض النسائية المتخصص في علم الإخصاب والجنين والوراثة، بعدالة قضيته، ويقول إن الفكرة والكلمة أقوى وأقدر على إظهار الحقيقة وحمل الآخر نحو السلام. ومن أجل ذلك، يجوب عدداً من دول العالم لتأكيد أهمية تحقيق السلام في المنطقة. كما يرى أنه يجب أن «يطالب ويحصل الفلسطينيون، حتى قبل السلام على أشياء مثل الحب والاحترام وحقهم في حياة كريمة». ولأنه هكذا، فإنه ترشح مؤخراً، من قبل وزير بلجيكي، لنيل جائزة نوبل للسلام، بعدما حصل على مواطنة الشرف البلجيكية باعتباره «جندي سلام»، و«تقديراً لجهوده في خدمة الإنسانية وتطوير المجتمعات». وقد هنأ وزير الأقليات الإسرائيلي، البروفسور أبيشاي برفرمان، الدكتور أبو العيش، في اتصال أجراه معه بالأمس وقال له إنه انتصار للإنسانية وسيدعم هذا الترشيح. فمن هو ذلك الطبيب الفلسطيني الذي بات رمزاً للمأساة الفلسطينية من ناحية، ومن ناحية أخرى رمزاً للأمل الفلسطيني نحو السلام. ولد عز الدين أبو العيش في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة، في 3 فبراير (شباط) 1955، بعدما طردت عائلته من قرية الهوج التي أقيمت عليها لاحقاً مزرعة أرئيل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق. ترعرع عز الدين، في أزقة وشوارع المخيم، يستمع من أبيه وآخرين عن طردهم من أرضهم في «الهوج»، وترك هذا لديه شعوراً مبكراً بالظلم الكبير، وقال «ماذا تتوقع من طفل احتل أرئيل شارون بيته».
ذاق مرارة الفقر بأبشع صورها. كان ينتمي لعائلة بسيطة، أبوه عامل وأمه فلاحة، ويصف هو طفولته فيقول «أنا عشت فقيراً جداً، وجربت الفقر والكدح الحقيقي الذي ما زال أطفالنا يعيشونه في المخيمات، أبي عامل وأمي فلاحة، عشنا مهجّرين عن أرضنا ومطرودين منها، بدون عمل، بدون دخل». وكأي طفل لاجئ التحق عز الدين بمدارس وكالة غوث اللاجئين في مخيم جباليا، في العام 1962، وكان القطاع يقع تحت الوصاية المصرية، وهناك في مدرسته تعمق أكثر لديه الشعور بالمعاناة والفقر والظلم.
كانت والدته عندما تطلب منه المدرسة قرشاً أو 2 (الجنيه المصري 100 قرش)، تقول له «بدناش إياها المدرسة إذ بدهم مصاري». هذا الفقر جعله يغادر طفولته مبكراً، وعند سن الـ 11 كان يعمل في شوارع القطاع، يسير طويلا ويبيع الحلوى وغيرها من أجل أن يحصل على ما يسد حاجته، وحاجة والديه وأشقائه.
كان متفوقاً في مدرسته، لكنه رغم ذلك كان يفتقد إلى التقدير المطلوب، ويقول إنه لن ينسى كيف أن المدرس المسؤول عن صفه كان يمنح الجوائز لأفضل تلميذ يرتدي لباساً أنيقاً. عمق هذا لديه شعوراً أكبر «بالفقر والظلم وغياب العدل». وأضاف «كنت أتوقع أن يمنحوني أنا الجائزة لأني الأول على صفي فكانت تذهب لأبناء الأغنياء، كنت أسأل نفسي: يعني لو كان أبي غنياً، هل كنت أنا الذي حصلت على الجائزة». ظل عز الدين يكبر وهو يصر على إنهاء دراسته والالتحاق بإحدى الجامعات خارج غزة، كانت هذه طريقه من أجل التخلص من الفقر ومساعدة أهله.
عاماً بعد عام كان يكبر، ظل يبيع في شوارع القطاع، ثم أصبح يذهب في العطل الصيفية ليعمل في إسرائيل، ويتذكر أنه غاب عن بيته عطلة نهاية العام 1970، حوالي 40 يوماً متواصلة، وعندما عاد، وجد الجيش الإسرائيلي يهدم منزلهم الذي كان على أطراف مخيم جباليا، في منطقة تعرف باسم «بلوك7». كان قدر أبو العيش مرة أخرى أن يكون عدوه المباشر أرئيل شارون الذي كان قائد قوات قطاع غزة، وأمر بهدم عدة منازل من أجل توسيع الشوارع بما يسمح للدبابات الإسرائيلية بالمرور. اشترى أبو العيش من الأموال التي وفرها أثناء عمله في العطلة الصيفية، منزلا آخر، لأسرته، ليس بعيداً عن المنزل الأول، وما زال أبو العيش وأشقاؤه وأبناؤهم، يعيشون فيه حتى اليوم.
كبر السؤال عند التلميذ عز الدين، لماذا لا يعيش الطفل الفلسطيني مثل الإسرائيلي والأميركي، ما هو الفرق بينه وبين آخر إسرائيلي، لماذا هو مشرد من بيت لبيت ويضطر للعمل ويكدح ويتعب من أجل أن يكمل تعليمه. أنهى أبو العيش دراسته الثانوية عام 1975 وقدم طلباً للدراسة في جامعات مصر، ردوا عليه بالقبول بعد عام، وخلال ذلك ظل أبو العيش يعمل في إسرائيل، وقال «عملت في كل شيء يخطر ببالك» كان أبو العيش يريد أن يوفر مستلزمات سفره واحتياجاته في جامعة القاهرة.
ظل مدفوعاً للدراسة من أجل أن يحسن من حالة أسرته الصغيرة في البداية، لكن عمله عند الإسرائيليين أثار لديه شعوراً بالتحدي، «أنا الفلسطيني من مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة مثلكم تماماً، بل أفضل منكم». اختار أن يدرس الطب، وسمح له المعدل بذلك. كان مشدوداً لهذه المهنة منذ صغره، وفي مرة أصيب وهو طفل بحمى الروماتيزم، فأخذ يتفحص كل ما يكتبه الأطباء، حتى حفظه عن ظهر قلب. لكنه قال إن همه الأول كان يدرس حتى لو تم قبوله في أي تخصص آخر.
كان يهتم أثناء شبابه بقراءة الروايات، لم يقرأ كثيراً في السياسة، وحتى عندما كان يقرأ، لم يكن يفعل ذلك ترفاً أو هواية أو ليملأ وقته، وإنما ليقوي من لغته العربية، وكان التحق صغيراً بمدارس تحفيظ القرآن. إلى جانب العربية، يتقن أبو العيش، العبرية بسبب عمله في إسرائيل، منذ صغره، والإنجليزية كذلك التي تعلم بها لاحقاً في جامعات الغرب. درس أبو العيش الطب في جامعة القاهرة، وعاد للعمل في القطاع عام 1985. ومرة أخرى كان على موعد مع الظلم وغياب العدل. يوضح «حتى تتوظف في ذلك الوقت (كانت إسرائيل تحتل القطاع) كان يجب أن تكون ابن موظف كبير، أو مليونير، أو متعاون مع الإسرائيليين».
لم يحصل على وظيفة، وطار في العام 1987 إلى المملكة العربية السعودية بعدما حصل على عقد عمل في مستشفى العزيزية للولادة في جدة، ومن هناك أرسله المستشفى إلى لندن ليتخصص في مجال العقم، ثم عاد للعمل في جدة، عام 1988، وبعد 3 أعوام في العام 1991 قرر أن يعود إلى جباليا.
افتتح عيادته الخاصة، وكان همه أن يعالج الفقراء في مخيمه، كان همه الأكبر أن ينهي الفقر لو استطاع. قال إنه تعلم في دراسته أن المنطقة التي تشتهر بالإنجاب الكثير تعاني من عقم كثير. بدأ اتصاله مع أطباء إسرائيليين محترفين، من أجل تبادل الخبرات، وبدأ يعمل في مستشفى سوروكا الإسرائيلي في بئر السبع متطوعاً آنذاك بلا راتب.
تم تعيينه في أواخر العام 1993 مسؤولا عن صحة المرأة في وكالة الغوث (الأمم المتحدة). وقرر أن يترك عمله بعد عام واحد، وعاد إلى عيادته الخاصة، ومستشفى سوروكا.
أظهر تفوقاً كبيراً، وبعد 3 أعوام، في عام 1997، تم تعيينه، كأول طبيب فلسطيني متفرغ في مستشفى إسرائيلي لكنه أبقى لعيادته يوماً واحداً، كان يعالج فيه الناس مجاناً. كان مسكوناً بحب علاج الفقراء الذين انطلق من بينهم.
في العام 2002 أرسله مستشفى سوروكا، ليتخصص في علم الجنين والوراثة، في جامعة في إيطاليا، ومن هناك طار إلى جامعة هارفارد في الولايات المتحدة، وتخصص في إدارة تخطيط السياسات الصحية. وعند تخرجه ارتفع العلم الفلسطيني إلى جانب أعلام دول أخرى. وقال «كنت أتمنى لو يحضر كل فلسطيني، لو ينهض أبي وأمي من قبريهما ليشاهداني، ليريا ابنهما، وابن المخيم الفقير كيف يحقق إنجازات كبيرة». عاد في العام نفسه إلى غزة، وظل يعمل في مستشفى سوروكا وفي عيادته الخاصة، وبعد 6 أعوام انتقل للعمل في مستشفى، تل هاشومير في إسرائيل. توسعت علاقاته بالإسرائيليين، كان يقول لهم إن الطفل الفقير الذي احتل شارون أرضه ومن ثم هدم بيته وكان يعمل لديهم أجيراً وفي المزارع، ها هو عاد طبيباً مشهوراً وله مكانته الخاصة.
ظل في مشفاه ولم يشكل له ذلك أي حرج في بلد تعادي مشغليه. رغم أن بعض مرضاه كان يأخذ عليه أنه يعالج النساء الإسرائيليات، ومرة سألته إحدى مريضاته: هؤلاء الأطفال الذي تساعدهم على الولادة ألن يصبحوا جنوداً يقتلوننا في غزة.
في بداية هذا العام 2009، كان أبو العيش على موعد مع الفصل الأكثر مأساوية في حياته. فخلال الحرب المجنونة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008 كان أبو العيش قلقا باستمرار على أبنائه الثمانية، البنات الـ 6 اللاتي أحبهن حباً كبيراً، إضافة إلى ولدين اثنين.
وبعد عشرين يوماً من المذابح التي كانت تحيط بالفلسطينيين، وتحديداً في 16 يناير (كانون الثاني)، في تمام الساعة الرابعة و45 دقيقة، تحقق الكابوس، واخترقت قذيفة دبابة إسرائيلية منزل أبو العيش وانفجرت قبل أن تلحقها قذيفة أخرى.
كان الطبيب الذي تعود على إسعاف ما تيسر له من جرحى وضحايا العدوان يلاعب ابنه الصغير محمد (6 سنوات)، اهتز البيت، ثم هرع مثل مجنون نحو غرفة بناته. ما زال كلما يتذكر يبكي، ويفقد رباطة جأشه. وقف أمام أشلاء بناته يسبحن في بركة من الدماء. وقال «صرت أصرخ كالمجنون». وبدأ البحث عن ابنته الكبرى بيسان، قبل أن تقضي عليها قذيفة أخرى. كانت بيسان مدللة أبيها. يحدث أحياناً أن يعشق الأب أحد أبنائه أكثر من الآخر. قال «بيسان كانت كل شيء. الأب والأم والأخت لأشقائها، بيسان كانت مختلفة. كنت أتمنى أن أجدها على قيد الحياة». وتابع «أنا مش عارف شو صار كنت زي المذبوح. أسأل وين بيسان وين بناتي شو صار». ثكل أبو العيش بيسان (20 عاماً) وميار (15 عاماً) وآية (14عاماً) وابنة شقيقه، نور (14 عاماً). كما أصيبت ابنتاه شذا ورفا وجرح شقيقه وابنة شقيقه بجراح متوسطة وخطيرة.
كانت بيسان تشارف على إنهاء دراستها الجامعية في التجارة وإدارة الأعمال من الجامعة الإسلامية في غزة، وتخطط آية لأن تصبح صحافية، أما ميار فطالما حلمت بأن تصبح مثل أبيها طبيبة. ظل أبو العيش يتساءل منذ قتل بناته الثلاث، هل كان أولادي مسلحين عندما قتلوهم؟ نعم كانوا مسلحين، ولكن بسلاح الحب، حب الآخرين. وتابع «بيسان ذهبت إلى معسكرات السلام منذ كانت 15 عاماً».
وبرغم المرارة التي يعانيها أبو العيش، إلا أنه يعتقد أن الله اختاره وبناته ليكشف للعالم حجم المعاناة والكارثة والمأساة التي يعيشها وعاشها أهل القطاع في الحرب الإسرائيلية على غزة.
قائلا «بسبب علاقاتي في إسرائيل وخصوصية عملي اختارني الله وبناتي لأكشف للعالم وللإسرائيليين أنفسهم المأساة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني». ويؤكد أبو العيش أن حجم التضامن الإسرائيلي والدولي معه كان غير مسبوق. وأضاف «استشهاد بناتي كشف الحقيقة. كل الحقيقة، وأوصل رسالة إلى المجتمع الإسرائيلي واضحة عن معاناة الفلسطينيين».
تركت حادثة مقتل بنات الدكتور أبو العيش حالة من الغضب حتى في داخل إسرائيل، بعدما نقل التلفزيون الإسرائيلي صرخاته على الهواء مباشرة وهو يتحدث عن هول المجزرة ويطلب الإسعاف.
سخر أبو العيش من نفي أوّلي آنذاك للجيش الإسرائيلي عن استهداف منزله، وقال إن الحقيقة أقوى وستظهر، وفعلا اعترف الجيش الإسرائيلي لاحقاً بأنه أطلق قذيفتين تجاه منزل أبو العيش مما أدى إلى مقتل بناته الثلاث.
وقال بيان للجيش، إنه تبين من التحقيق، أن قوة من لواء المشاة «غولاني» تعرضت لنار قناص وقذائف هاون في منطقة كانت مليئة بالمتفجرات وبعبوات ناسفة من صنع محلي. وقامت القوة بتحديد مصدر إطلاق النار وكان بيتًا مجاورًا لبيت الدكتور. وردًا على إطلاق النار عليها، أطلقت القوة النار.
وقال الجيش «إنه تمت ملاحظة عناصر مشتبه بها في الطابق العلوي من بيت الدكتور أبو العيش. واعتقدت القوة بأنهم مؤيدون لحماس قاموا بتوجيه نيران القناص والهاون إلى القوة. وبعد تقييم الوضع في الميدان، تحت النيران المكثفة، أمر قائد القوة بإطلاق النار على العناصر المشتبه بها. ومن جراء هذه النيران قُتلت البنات الثلاث للدكتور عز الدين أبو العيش».
ونفى أبو العيش وشهود عيان، أن يكون أي من المسلحين أطلق النار من منزل قريب لمنزلهن بل إنه أصر على أن الجيش الإسرائيلي يعرف منزله جيداً، كما أن الحادثة وقعت بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار وكانت المواجهات قد توقفت. قبل أيام فقط، رشح وزير بلجيكي، أبو العيش للفوز بجائزة نوبل للسلام. وقال برونو بوتشيت، رئيس بلدية فيروينفال في بيان له، إن جاك مارك ديلزي وزير محاربة الفقر في بلجيكا قد أبلغ لجنة جائزة نوبل للسلام بترشيح الدكتور أبو العيش لنيل الجائزة تقديراً لجهوده في نشر ثقافة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويعتقد أبو العيش أنه سيحصل على هذه الجائزة عاجلا أم آجلا، وقال إن ترشيحه انتصار للعدل ولكل شخص ينتمي لهذه الإنسانية ويبحث عن انتصار الحقيقة.
ومن المفارقات أن وزير الأقليات في الحكومة الإسرائيلية الجديدة البروفسور أبيشاي برفرمان، الذي كان رئيساً لجامعة «بن غوريون»، اتصل أمس مهنئاً أبو العيش، وقائلا له إن ترشيحه لجائزة نوبل انتصار للإنسانية، وأنه سيدعم هذا الترشيح وسيرسل رسالة بذلك، لكن أي مسؤول فلسطيني لم يتصل. وقال أبو العيش «للأسف ولا مسؤول اتصل، فقط الناس البسطاء من مخيم جباليا اتصلوا وقالوا لي أنت رفعت راسنا».
ويقوم أبو العيش بجولة في الاتحاد الأوروبي يحمل معه رسالة سلام من أهل غزة، ويطالب باحترام حق شعبه في الاستقلال والحصول على حياة كريمة، قائلا إنه يؤمن أن لا شيء مستحيل إلا أن يعيد بناته إلى الحياة. كما يسعى لتنفيذ مشاريع تطويرية في القطاع المحاصر. وكان قد ألقى خطاباً في البرلمان الأوروبي حذر فيه من تواصل الحصار على غزة وناشد بإنهاء القتل وهدم جدران الكراهية وبناء جسور المحبة بديلاً عنها.
جاء ترشيح أبو العيش، بعد أن منحته الحكومة البلجيكية مواطنة الشرف، تقديراً لجهوده في خدمة الإنسانية وتطوير المجتمعات. ويقول أبو العيش إنه يبذل جهوداً من أجل الإنسانية والنهوض بالحياة في المجتمعات خلال وما بعد الحرب. وكان أبو العيش قد أسهم في إنجاح مشروع فلسطيني – بلجيكي خاص بالأطفال الفلسطينيين تم تنفيذه عام 2003 في مخيم جباليا شمال قطاع غزة. وتتضمن جولة أبو العيش بالإضافة إلى بلجيكا، زيارة إلى بلغراد وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وسيذهب إلى جامعته، هارفارد، وسيرفض عرضاً بالانضمام إليها، كما رفض عرضاً من جامعة تورنتو، لأنه يريد أن يعود إلى بناته الثلاث، خصوصا أن ابنته، شذا، تعافت وعادت إلى دراساتها، وتخطط ـ برغم العجز الذي خلفته إصابتها في إحدى عينيها ويدها اليمنى ـ لأن تحقق حلمها وحلم شقيقاتها «الشهيدات» بأن تحصل على المرتبة الأولى في امتحان الثانوية العامة.
كانت والدة أبو العيش، تقول له قبل أن يلتحق بالمدرسة في بداية الستينات، إنهم عائدون خلال أيام إلى قريتهم الأصلية «الهوج». لكن رحلة أبو العيش امتدت لعشرات السنين، لاجئاً يعيش في مخيم جباليا، يبحث عن العدل وحقه وشعبه في حياة كريمة. فهل تنتهي هذه الرحلة بعودته إلى «الهوج» ولو بعد طول غياب؟.