القصيدة الدمشقية
نزار قباني
هذي دمشقُ.. وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ.. لو شرحتمُ جسدي
لسـالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
و لو فتحـتُم شراييني بمديتكـم
سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ.. تشفي بعضَ من عشقوا
وما لقلـبي –إذا أحببـتُ- جـرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني
و للمـآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمـينِ حقـوقٌ في منازلنـا
وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا
فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ" منتظرٌ
ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ و لمـاحُ
هنا جذوري.. هنا قلبي هنا لغـتي
فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟
كم من دمشقيةٍ باعـت أسـاورَها
حتّى أغازلها والشعـرُ مفتـاحُ
أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ معتذراً
فهل تسامحُ هيفاءٌ ووضّـاحُ؟
خمسونَ عاماً وأجزائي مبعثرةٌ
فوقَ المحيطِ وما في الأفقِ مصباحُ
تقاذفتني بحـارٌ لا ضفـافَ لها
وطاردتني شيـاطينٌ وأشبـاحُ
أقاتلُ القبحَ في شعري وفي أدبي
حتى يفتّـحَ نوّارٌ وقـدّاحُ
ما للعروبـةِ تبدو مثلَ أرملةٍ؟
أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ؟
والشعرُ.. ماذا سيبقى من أصالتهِ؟
إذا تولاهُ نصَّـابٌ ومـدّاحُ؟
وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا؟
وكلُّ ثانيـةٍ يأتيـك سـفّاحُ؟
حملت شعري على ظهري فأتبِعني
ماذا من الشعرِ يبقى حينَ يرتاحُ؟